للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال سعيد بن المسيب (١): "خَرَجَ عليه السّلام في قافلةِ مَيْسَرةَ (٢) غُلَامِ خَدِيجةَ، فَبَيْنا هُوَ راكِبٌ ذاتَ لَيْلةٍ ظَلْماءَ ناقةً، جاء إبْلِيسُ -لعنه اللَّه-، فَأخَذَ بِزِمامِ النّاقةِ، فَعَدَلَ به عن الطريق، فجاء جبريلُ عليه السّلام، فنَفَخَ إبْلِيسَ نَفْخةً وَقَعَ منها في الحَبَشةِ، وَرَدَّهُ إلَى القافِلةِ، فَمَنَّ اللَّه عليه بذلك".

وقيل (٣): معناه: وَجَدَكَ ضالًّا لَيْلةَ المِعْراج حين انْصَرَفَ عنك جِبْرِيلُ، لا تعرف الطَّرِيقَ، فَهَداكَ إلَى ساقِ العَرْشِ، وفيه أَقاويل يطول شرحها في هذا المختصر، أضربنا عنها خشية التطويل.

والذي نذهب إليه وَنَدِينُ به أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أشْرَكَ باللَّه قَطُّ، ولا عَبَدَ صَنَمًا ولا وَثَنًا، بل كان مُوَحِّدًا له مُؤْمِنًا به، كما قيل له: يا رسول اللَّه: مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ قال: "كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ والجَسَدِ، مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ" (٤).

قوله: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)} يعني: وَجَدَكَ فَقِيرًا لا مالَ لَكَ، فَأغْناكَ بِالعِلْمِ والقُرْآنِ والحِكْمةِ البالِغةِ والكَفالةِ بِمالِ خَدِيجةَ، وفي قراءة عبد اللَّه: "وَوَجَدَكَ عَدِيمًا فَأغْنَى" (٥).


(١) ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٢٢٨، مجمع البيان ١٠/ ٣٨٤، زاد المسير ٩/ ١٥٩، عين المعانِي ورقة ١٤٦/ أ، تفسير القرطبي ٢٠/ ٩٧.
(٢) وَرَدَ ذِكْرُهُ في السيرة، وكان رَفِيقَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في تجارة السيدة خديجة إلى الشام قبل أن يتزوجها، وَحَكَى بَعْضَ أدِلّةِ نُبُوَّتهِ، وَلَمْ يَرِدْ ما يَدُلُّ على أنه عاش إلَى البعثة. [الطبقات الكبرى ١/ ١٣٠، ١٣١، الإصابة ٦/ ١٨٩].
(٣) ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٢٢٨، عين المعانِي ورقة ١٤٦/ أ.
(٤) رواه الحاكم عن مَيْسَرةِ الفَجْرِ العُقَيْلِيِّ في المستدرك ٢/ ٦٠٨ - ٦٠٩ كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، وينظر: المعجم الكبير ٢٠/ ٣٥٣، ومُنْجَدِلٌ؛ أي: مُلْقًى على الجَدالةِ، وهي الأرض. اللسان: جدل.
(٥) قرأ ابن مسعود أيضًا: {ووَوَجَدَكَ غَرِيمًا}، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٢٧٤، مختصر ابن خالويه ص ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>