للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اقْرَأْ}، ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف إذا جعلتها حالًا، كأنه قال: اقْرَأْ مُسْتَفْتِحًا بِاسْمِ رَبِّكَ، ففي الجارِّ والمجرور على هذا مُضْمَرٌ مرفوعٌ، وليس فيه على التقدير الآخر ضمير مرفوع، بل الضمير المرفوع في قول اللَّه تعالَى: {اقْرَأْ} لا غَيْرُ (١)، والألف من "اسْمِ رَبِّكَ" لازمة فِي الوجهين جميعًا؛ لأنه لَمْ يَكْثُرْ هذا في الاستعمال (٢).

قال أبو عبيدة (٣): ومجازه: اقْرَأْ اسْمَ رَبِّكَ، والباء زائدة. وإنما دخلت الباءُ لِتَدُلَّ على الملازمة والتكرير، ومثله: أخَذْتُ بالخِطامِ، فلو قلتَ: اقْرَأْ اسْمَ رَبِّكَ، وَأخَذْتُ الخِطامَ، لَمْ يكن في الكلام ما يدل عَلى لزوم الفعل وتكريره (٤)، والمعنى: اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ، كأنه أُمِرَ أن يَبْتَدِئَ القِراءةَ باسم اللَّه تعالَى تَأْدِيبًا.

ثم وصف ذلك فقال تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢)} يعني الدَّمَ، واحدها عَلَقةٌ، وإنما جمع لَفْظُ العَلَقِ، والإنسانُ واحد؛ لأنه في معنى الجمع.

وهذه السورة أوَّلُ ما نزل من القرآن على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأول ما نزل


(١) من أول قوله: "والباء في قوله: "بِاسْمِ" يجوز. . . " نقله المؤلف عن طاهر بن أحمد بن بابشاذ في شرح المقدمة المحسبة ص ٤٣٧، وينظر أيضًا: الكشاف للزمخشري ٤/ ٢٧٠، الفريد للهمدانِيِّ ٤/ ٦٩٧.
(٢) قال ابن قتيبة: "باب ألف الوصل في الأسماء، تكتب "بِسْمِ الِله" إذا افتتحتَ بها كتابًا، أو ابتدأت بها كلامًا، بغير ألف؛ لأنها كثرت في هذه الحال على الألسنة في كل كتاب يُكْتَبُ، وعند الفَزَعِ والجَزَعِ، وعند الخَبَرِ يَرِدُ، والطعامِ يُؤكَلُ، فَحُذفت الألف استخفافًا، فإذا توسَّطَتْ كلامَا أثْبَتَّ فيها ألِفًا نحو: أبْدَأُ باسم اللَّه، وأختم باسم اللَّه، وقال اللَّه تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، و {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}، وكذلك كُتِبَتْ في المصاحف في الحاليْنِ مبتدأةً ومتوسطةً". أدب الكاتب ص ١٨٤.
(٣) مجاز القرآن ٢/ ٣٠٤.
(٤) قاله مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>