للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم الكلام فيها وفي نظائرها في الحاقة وغيرِها (١)، فَأغْنَى عن الإعادة هاهنا؛ إذ المعنى واحد.

ثم بَيَّنَ مَتَى تكون؟ فقال تعالى {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (٤)} القليل فِي يوم القارعة؛ أي: تَقْرَعُ آذانَ الخَلْقِ وَقُلُوبَهُمْ يَوْمَ يكون الناس كالفراش المبثوث، والفَراشُ هو الطَّيْرُ الذي يَتَساقَطُ في النّارِ، والمَبْثُوثُ: المُتَفَرِّقُ، يُقال منه: بَثَّهُ: إذا فَرَّقَهُ، قال الفَرّاءُ (٢): هو كَغَوْغاءِ الجَرادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا من الهَوْلِ، وقيل (٣): الفَراشُ شِبْهُ البَعُوضِ يَتَهافَتُ فِي النار.

قوله: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥)} يعني: كالصُّوفِ المَصْبُوغِ المَنْدُوفِ، شَبَّهَ اللَّهُ تعالى الجِبالَ الصُّمَّ الصِّلَابَ الشَّوامِخَ في ذلك اليوم بِالصُّوفِ المَنْدُوفِ؛ لِرَخاوَتهِ وَتَفَرُّقِ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ، والمعنى: أنها تصير خفيفة في المسير.

ثم ذَكَرَ أحوال الناس بقوله: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (٦)} يعني: رَجَحَتْ حَسَناتُهُ على سَيِّئاتِهِ {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٧)} يعني: مَرْضِيّة في الجنة، ومحل {مَنْ} رفع بالابتداء.

{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨)} يعني: رَجَحَتْ سَيِّئاتُهُ على حَسَناتِهِ


(١) ينظر ما سبق ٤/ ٣٥.
(٢) معانِي القرآن ٣/ ٢٨٦.
(٣) قاله الحسن وابن قتيبة والزجاج، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص ٥٣٧، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣٥٥، تهذيب اللغة ١١/ ٣٤٦، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص ١٨٢، زاد المسير ٩/ ٢١٤، عين المعانِي ورقة ١٤٧/ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>