للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) أي: فَلْيُوَحِّدُوا رَبَّ هَذِهِ الكعبة {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ}؛ أي: بَعْدَ جُوعٍ، كما تقول: كَسَوْتُكَ مِنْ عُرْيٍ (١)، {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)} وهو أنهم كانوا يسافرون آمِنِينَ، لا يتعرض لَهُمْ أحَدٌ، وكان غَيْرُهُمْ لا يأمن في سفره ولا في حَضَرِهِ، وقيل (٢): معنى قوله: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}، قيل: قطعةً من هذا، وقطعةً من هذا، فإذا قال: الجوع والخوف، فهما التامّانِ.

وقال ابن عباس -رضي اللَّه عنه- (٣): إنَّهُمْ كانُواْ في ضُرٍّ وَمَجاعةٍ حَتَّى جَمَعَهُمْ هاشِمٌ على الرحلتين، وكانوا يقسمون رِبْحَهُمْ بَيْنَ الفُقَراءِ.

والمعنى: حتى كان فقيرهم كغنيهم فلم يكن بَنُو أبٍ أكْثَرَ مالًا ولا أعَزَّ من قريش، وقد قال الشاعر فيهم:

٥٥٤ - الْخالِطِينَ فَقِيرَهُمْ بِغَنِيِّهَمْ... حَتَّى يَكُونَ فَقِيرُهُمْ كالكافِي (٤)


(١) قاله الواحدي وابن الجوزي والسجاوندي، ينظر: الوسيط ٤/ ٥٥٧، زاد المسير ٩/ ٢٤١، عين المعانِي ورقة ١٤٨/ ب.
قال سيبويه: "وأما "عَنْ" فَلِما عَدا الشَّيْءَ، وذلك قولك: أطْعَمَهُ عَنْ جُوعِ. . .، وقال: سَقاهُ عن العَيْمةِ. . .، وقد تقع "مِنْ" موقعها، أيضًا، تقول: أطْعَمَهُ مِنْ جُوعٍ، وَكَساهُ مِنْ عُرْيٍ، وَسَقاهُ مِن العَيْمةِ". الكتاب ٤/ ٢٢٦، ٢٢٧، وينظر أيضًا: الأصول لابن السراج ١/ ٤٣٦، ٤٣٧.
(٢) هذا القول حكاه أبو عمر الزاهد عن ثعلب في ياقوتة الصراط ص ٥٩٥ - ٥٩٦.
(٣) ينظر قوله في الوسيط للواحدي ٤/ ٥٥٧، زاد المسير ٩/ ٢٤٢، تفسير القرطبي ٢٠/ ٢٠٤، ٢٠٥.
(٤) البيت من الكامل، لعبد اللَّه بن الزِّبَعْرَى، ورواية ديوانه:
والخالِطُونَ فَقِيرَهُمْ بغنيهم... حَتَّى يَعُودَ فَقِيرُهُمْ كالكافي
وَنَسَبُه البصري في حماسته لِمَطْرُودٍ الخُزاعِيِّ، ورجَّحَ هذه النسبة، ويُرْوَى:
الخالِطِينَ غَنِيَّهُمْ بِفَقِيرِهِم =

<<  <  ج: ص:  >  >>