للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلْفةٌ للنهار، والنهار خِلْفةٌ لِلَّيْلِ؛ لأنّ أحدَهما يَخْلُفَ صاحبَه، هذا يذهب، وهذا يَجِيءُ، فهما متعاقبان.

وقوله: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} قرأه العامة بالتشديد على الإدغام، وقرأ حمزةُ مخفَّفًا (١) على معنى أنه يَذْكُرُ اللَّه ويسبح فيهما، قال الفَرّاء (٢): ويَذْكُرُ ويتذكر يأتيانِ بمعنًى واحد، قال اللَّه تعالى: {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} واذْكُرُوا ما فِيهِ" (٣)، وفي حرف عبد اللَّه: {وَتَذَكَّرُوا ما فِيهِ} (٤).

وفِي جَعْلِ اللَّهِ تعالى الليلَ والنهارَ مُتَعاقِبَيْنِ يَخْلُفُ أحدُهُما صاحِبَهُ، اعتبارٌ واستدلالٌ على قدرته، ومُتَّسَعٌ لذِكْرِهِ وطاعتِهِ وشكرِهِ، وذلك قوله تعالى: {أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (٦٢)} يقال: شَكَرَ يَشْكُرُ شُكْرًا وشُكُورًا، قال صاحبُ إنسان العَيْن (٥): والشُّكُورُ: إشارة إليه فِي عمر ابن الخطاب -رضي اللَّه عنه- لِفَواتِ وِرْدِهِ.

فإنْ فاتَ رَجُلًا من النهار شيءٌ من وِرْدِهِ أَدْرَكَهُ بالليل، وإن فاته شيء بالليل أدركه بالنهار، وذلك قوله: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}.

قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}؛ أي: رِفقًا بالسَّكينة والوقار والطاعة والتواضع معَ الاستغفار، غيرَ أَشِرِينَ ولا متكبرين ولا


(١) قرأ بالتخفيف أيضًا: ابنُ مسعود وخَلَفٌ والنَّخَعِيُّ وابنُ وثاب وطلحةُ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ والأعمشُ، ينظر: السبعة ص ٤٦٦، تفسير القرطبي ١٣/ ٦٧، التيسير ص ١٦٤، البحر المحيط ٦/ ٤٦٨، الإتحاف ٢/ ٣١٠.
(٢) معاني القرآن ٢/ ٢٧١.
(٣) البقرة ٦٣، والأعراف ١٧١.
(٤) ينظر: معاني القرآن للفرَّاء ١/ ٢٩، مختصر ابن خالويه ص ١٤، البحر المحيط ١/ ٤٠٧.
(٥) ينظر: عين المعاني ورقة ٩٣/ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>