للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعلك قاتلٌ نفسَك لتركِهم الإيمانَ، ثيم أَعْلَمَ أنه لو أراد أن يُنزِل ما يَضْطرُّهم إلى الطاعة لَقَدَرَ على ذلك فقال: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً} شرطٌ وجزاء.

قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا} يعني: للآية {خَاضِعِينَ (٤)} ولم يقل: خاضعةً - وهو صفةُ الأعناق، قيل (١): معناه: فظلَّ أصحاب الأعناق لها خاضعين، فحَذَف الأصحابَ وأقام الأعناقَ مقامَهم؛ لأنّ الأعناقَ إذا خضَعت فأربابُها خاضعون، قال الشاعر:

٦٤ - فما حُبُّ الدِّيارِ شَغَفْنَ قَلْبي... ولكِنْ حُبُّ مَن سَكَنَ الدِّيارا (٢)

وقيل: إنما قال: {خَاضِعِينَ} لأَجْلِ رُءُوسِ الآيِ لتكون على نَسَق واحد. وقال عيسى بن عمر (٣): "خاضعين" و"خاضعة" هاهنا واحدٌ. وفيه وجوهٌ يطول شرحها في هذا المختصر، وقَرأَ ابن أبي عَبْلة (٤): {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعَةً} (٥).


(١) قاله الفرَّاء وأبو عبيد والمبرد والزَّجّاج وابن السَّراج، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء ٢/ ٢٧٧، الكامل للمبرِّد ٢/ ١٤١، المقتضب ٤/ ١٩٨، ١٩٩، معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٨٢، الأصول ٣/ ٤٧٧، وينظر قول أبي عبيد في الكشف والبيان للثعلبي ٧/ ١٥٧.
(٢) البيت من الوافر، لمجنون ليلى.
التخريج: ديوانه ص ١٧٠، عين المعاني ورقة ٩٣/ ب، شرح كافية ابن الحاجب للرَّضي ٢/ ٢٤٦، ٢٨٥، رصف المبانِي ص ١٦٩، مغني اللبيب ص ٦٦٦، خزانة الأدب ٤/ ٢٢٧، ٣٨٨.
(٣) ينظر قوله في معاني القرآن للنَّحاس ٥/ ٦٣، تفسير القرطبي ١٣/ ٩٠.
(٤) إبراهيم بن أبي عبلة شمر بن يقظان بن المرتحل، أبو إسماعيل الفلسطيني الرملي العقيلي الشامي، تابعي ثقة صدوق، كان الوليد بن عبد الملك يبعثه إلى بيت المقدس ليقسم فيهم العطاء، ودخل على عمر بن عبد العزيز، توفِّي سنة (١٥١ هـ)، وقيل: (١٥٣ هـ). [غاية النهاية ١/ ١٩، سير أعلام النبلاء ٦/ ٣٢٣ - ٣٢٥].
(٥) وقرأ بها أيضًا عيسى بن عمر، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٠٧، مفاتيح الغيب ٢٤/ ١١٨، البحر المحيط ٧/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>