للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} ابتداءٌ وخبر {تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٢) يقال: اسْتَعْبَدْتُ فُلانًا وأَعْبَدْتُهُ وتَعَبَّدْتُهُ وعَبَّدْتُهُ؛ أي: أَخَذْتُهُ عَبْدًا.

وفي محلِّ "أَنْ" من الإعراب وجهان، أحدُهما: النَّصب بِنَزْعِ الخافضِ، مَجازُهُ: بِتَعْبِيدِكَ بني إسرائيل، والثاني: الرَّفع على البدل من النعمة (١).

قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣)} ابتداءٌ وخبر، قال محمد بن إسحاق (٢): اسْتَوْصَفَهُ إِلَهَهُ الذي أرسله إليه؛ أي: ما إِلَهُكَ هَذا؟ (٣). و"ما" هاهنا بمعنى: "مَنْ"، قال بعض النَّحْويِّين (٤): قد تدخل "ما" لصفاتِ مَنْ يَعْقِلُ، كقوله تعالى هاهنا: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}؛ لأنّ الربَّ هو المالك، والمِلْكُ صفة.

فلما اسْتَفْهَمَ فرعونُ موسى عليه السّلام: مَنْ رَبُّ العالمين؟ أجابه بما يدُلُّ عليه من خَلْقه، مما يَعْجِزُ المخلوقونَ عن أن يأتوا بمثله، فقال: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤)} أنه خلق ذلك، فلمّا قال موسى ذلك تَحَيَّرَ فرعونُ، وعجَز عن ردِّ الجواب بما ينقُضُ به هذا القولَ، فـ {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (٢٥)} يريد: ألا تستمعون مقالةَ موسى؟


(١) ينظر في هذين الوجهين وغيرهما: معاني القرآن للفرَّاء ٢/ ٢٧٩، معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٨٧، مشكل إعراب القرآن ٢/ ١٣٩، التبيان للعكبري ص ٩٩٥، الفريد ٣/ ٦٥٣، الدر المصون ٥/ ٢٧١.
(٢) محمد بن إسحاق بن يَسارٍ المطلبي بالولاء المدنِيُّ، من أقدم مؤرخي العرب، كان قدريًّا حافظًا للحديث، توفِّي ببغداد سنة (١٥١ هـ)، من كتبه: السيرة النبوية، كتاب الخلفاء، المبدأ. [سير أعلام النبلاء ٧/ ٣٣ - ٥٥، الأعلام ٦/ ٢٨].
(٣) ينظر قول محمد بن إسحاق فِي الوسيط ٣/ ٣٥٢.
(٤) هو طاهر بن أحمد، وهذا الكلام، قاله في شرح جمل الزَّجّاجي ١/ ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>