للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل دعاه رَبُّهُ، فلْيَبْكِ الباكي على نفسه، فإنَّ لِي فيكم عَوْداتٍ وعَوْداتٍ حتى لا أُبْقِيَ منكم أحدًا" (١).

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى} يا محمد {إِذِ الْمُجْرِمُونَ} يعني: كفار مكة وغيرهم {نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} مُطَأْطِئُو رءوسِهِم {عِنْدَ رَبِّهِمْ} حياءً منه للذي سلف من معاصيهم في الدنيا {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا} ما كنا به مكذِّبين {وَسَمِعْنَا} منك ما أتتَنْا به رسُلُك، {فَارْجِعْنَا}؛ أي: فارْدُدْنا إلى الدنيا {نَعْمَلْ صَالِحًا} نقول: لا إله إلا اللَّه {إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)}، وجواب "لَوْ" مضمَرٌ محذوف تقديره: لرأيتَ يا محمد العجبَ.

قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا}؛ أي: يُصَدِّقُ بآيات القرآن {الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا}؛ أي: وُعِظُوا بها {خَرُّوا سُجَّدًا} على أَيِّ حالٍ كانوا، قيامًا أو قعودًا أو على جنوبهم؛ أي: خَرُّوا سُقُوطًا على وجوههم ساجدين، يقال لكل ساقط: قد خَرَّ خُرُورًا، {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}؛ أي: نَزَّهُوا اللَّهَ عن السوء في سجودهم، وذكروه بما هو أهله من الحمد وحسن الثناء عليه، {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥)} عن السجود للَّه تعالى، ونصب {سُجَّدًا} على: الحال.

قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}؛ أي: ترتفع وتنبو وتَتَنَحَّى للصلاة، وهو "تتفاعلُ" من الجفاء وهو التباعد، تقول العرب: جافِ ظَهْرَكَ عن الجدار، وجَفَتْ عَيْنُ فلانٍ عن الغُمْضِ: إذا لم يَنَمْ، وتَجافَى جَنْبُهُ عن الفراش: إذا لم يَسْتَقِرَّ عليه من وَجَعٍ أو هَمٍّ أو خوف، قال الشاعر:


(١) ينظر: الوسيط ٣/ ٤٥١، مجمع البيان ٨/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>