للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤمنٍ، وحَقٌّ على كلِّ مؤمنٍ ألّا يَغَشَّ مؤمنًا ولا مُعاهَدًا فِي قليلٍ ولا كثيرٍ، فمن انتقص شيئًا من الفرائض فقد خان أمانته".

وعن ابن مسعودٍ رضي اللَّه عنه قال (١): "لَمّا خَلَقَ اللَّهُ تعالى الأمانة مَثَّلَها صخرةً، ثم وضعَها حيث شاء، ثم دعا لها السماوات والأرض والجبال يحملنها، وقال لهن: إن هذه الأمانة لها ثوابٌ، وعليها عقابٌ، فقلن: يا ربنا، لا طاقة لنا بها، وأقبل الإنسان مِنْ قَبْلِ أن يُدْعَى، فقال للسماوات والأرض والجبال: ما وَقَفَكُمْ؟ قالوا: دعانا رَبُّنا أن نحمل هذه، فَأشْفَقْنا منها، فلم نُطِقْها، قال: فَحَرَّكَها بيده، ثم قال: واللَّهِ لو شئتُ أن أحملها لحملتُها، قالوا: دُونَكَ، فحَمَلَها حتى بلغ بها ركبتَهُ، ثم وضعها، ثم قال: واللَّهِ لو شئتُ أن أزداد لازْدَدْتُ، قالوا: دُونَكَ، فحملها حتى بلغ بها حِقْوَيْهِ (٢)، ثم وضعها على عاتقه، ثم أهْوَى، فلما أهْوَى لِيَضَعَها قالوا: مَكانَكَ، إن هذه الأمانة لها ثوابٌ، وعليها عقابٌ، فَأمَرَنا رَبُّنا أن نحملها، فأشفقنا منها، وحملتَها أنتَ من غير أن تُدْعَى إليها، فهي فِي عنقك وأعناق ذريتك إلى يوم القيامة"، واللَّه أعلم.

واختلفوا فِي العَرْضِ على أعيان هذه الأشياء، فقيل (٣): إن اللَّه رَكَّبَ فيهنَّ العقل، وأفهمهن خطابه حتى فَهِمْنَ، وأُنْطِقْنَ بالجواب، وقيل (٤): عرضها على مَنْ فيها من الملائكة، وقيل (٥): عرضها على أهلها دون أعيانها، وهذا كقوله


(١) ينظر: تفسير القرطبي ٤/ ٢٥٧.
(٢) الحِقْوانِ: مثنى حِقْوٍ وهو الخَصْرُ ومَعْقِدُ الإزار، وجمعه أحْقاءٌ وأحْتي وحِقِيٌّ. اللسان: حقو.
(٣) حكاه النحاس في إعراب القرآن ٣/ ٣٢٩، وينظر: المحرر الوجيز ٤/ ٤٠٢، زاد المسير ٦/ ٤٢٨.
(٤) حكاه ابن عطية في المحرر الوجيز ٤/ ٤٠٢.
(٥) ينظر: إعراب القرآن ٣/ ٣٢٩، ومعاني القرآن للنحاس ٦/ ٣٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>