للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبَعِّدْ: بمعنى باعِدْ، مثل ضَعِّفْ وضاعِفْ، وقَرِّبْ وقارِبْ، وقرأ ابنُ الحنفية (١) ويعقوبُ: "رَبُّنا" برفع الباء "باعَدَ" بألِفٍ وفتح العين والدال على الخبر، فـ "رَبُّنا" رفع على الابتداء، و"باعَدَ" فعلٌ ماضٍ في موضع الخبر، وقرأ الباقون: "رَبَّنا" بفتح الباء، نصب على أنه نداء مضاف "باعِدْ" بالألف وكسر العين وجزم الدال على الدعاء.

ففعل اللَّه ذلك بهم، فقال: {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بالكفر والمعصية والطغيان، {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} فجعلناهم عِبرةً وعِظةً لمن بعدهم، يتحدثون بأمرهم وشأنهم، كيف فعلنا بهم؟ {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}؛ أي: وفَرَّقْناهُمْ فِي كل وجهٍ من البلاد كُلَّ التفريق، وذلك أن اللَّه تعالى لَمّا أغرق مكانهم، وأذْهَبَ جَنَّتَيْهِمْ، تَبَدَّدُوا في البلاد، فصارت العرب تتمثل بهم في الفُرْقةِ، فيقولون: تفرقوا أيْدِي سَبا، وأيادِي سَبا (٢)، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} يعني: فيما فعل بسبأٍ {لَآيَاتٍ} لَعِبَرًا ودلالاتٍ {لِكُلِّ صَبَّارٍ} عن معاصي اللَّه {شَكُورٍ (١٩)} لأنْعُمِهِ، يعني المؤمن من هذه الأمة إذا أُعْطِيَ شَكَرَ، وإذا ابْتُلِيَ صَبَرَ.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ}؛ أي: في ظَنِّهِ، نحو: {سَفِهَ


(١) هو محمد بن عَلِيِّ بنِ أبِي طالب، أبو القاسم، أمه خولة بنت جعفر الحنفية، وهو أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام، كان واسع العلم ورعًا، توفي بالمدينة سنة (٨١ هـ). [تهذيب الكمال ٢٦/ ١٤٧، الأعلام ٦/ ٢٧٠].
(٢) ويقال أيضًا: ذَهَبُوا أيْدِي سَبا وأيادِي سَبا، وكلها بإسكان الياء وعدم الهمز في "سَبا" لكثرة استعمال العرب له، ومعناه: تَفَرَّقُوا تَفَرُّقًا لا اجتماع معه. ينظر: معانِي القرآن للنحاس ٥/ ٤١٢، مجمع الأمثال ١/ ٢٧٥، المستقصى للزمخشري ٢/ ٨٨ - ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>