للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} يعني أهل مكة {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، ثم أخبر بالنعمة فقال: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} الآية، وهو استفهام توبيخٍ وتقريرٍ، أي: لا خالِقَ سِواهُ، قرأ شقيق بن سلمة (١) وأبو جعفرٍ والأعمش وحمزة والكسائي: "غَيْرِ" (٢) بالخفض، وهو اختيار أبِي عُبيدٍ، وقرأ الباقون بالرفع، فمن رفع "غير" فعلى معنى: هل خالِقٌ غَيْرُ اللَّهِ؟ لأن {مِنْ} زيادةٌ مُؤَكِّدةٌ، وهو قول الزجّاج (٣)، ومَنْ خفض "غير" جعله صفة "خالق" على اللفظ، وهذه الآية حُجّةٌ على القَدَرِيّةِ؛ لأنه نَفَى خالِقًا غَيْرَهُ وهم يثبتون معه خالِقِينَ (٤).

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} في البعثِ أنه كائنٌ، والحساب والجزاءِ بالثواب والعقاب {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} فإنها فانيةٌ ومنقطعةٌ، {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٥)} يعني: الباطل وهو الشيطان، وكل من غُرَّ فهو غَرُورٌ.

قرأه العامة بفتح الغين، وقرأ أبو حيوة الشامي وأبو السَّمّالِ العَدَوِيُّ (٥)


(١) شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفِيُّ، ثقة كثير الحديث، أدرك النبيَّ ولَمْ يره، وروى عن عدد الصحابة، حفظ القرآن في شهرين، وعرضه على ابن مسعود، توفِّيَ سنة (٨٢ هـ). [حلية الأولياء ٤/ ١٠١، غاية النهاية ١/ ٣٢٨].
(٢) وبها قرأ أيضًا خلفٌ وابنُ محيصن وابنُ وثاب وزيدُ بنُ عَلِيٍّ، وقرأ الباقون بالرفع، ينظر: السبعة ص ٥٣٤، إعراب القراءات السبع ٢/ ٢٢٤، البحر ٧/ ٢٨٦، الإتحاف ٢/ ٣٩٠، ٣٩١.
(٣) معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٢٦٢.
(٤) قاله الثعلبي في الكشف والبيان ٨/ ٩٨، وينظر: تفسير القرطبي ١٤/ ٣٢٢.
(٥) قَعْنَبُ بن أبِي قَعْنَبٍ العدوي البصري، وقيل: اسمه معتب بن هلال، له اختيار في القراءة شاذ عن الجمهور، لا يُعْتَمَدُ على نقله، ولا يُوثَقُ به، توفي سنة (١٦٠ هـ) تقريبًا. [الوافي بالوفيات ٢٤/ ٢٦٣، غاية النهاية ٢/ ٢٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>