للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} يعني: الكلام الحسن، وهو قول العبد: لا إله إلا اللَّه، وكُلُّ ذِكْرٍ مَرْضِيٍّ للَّهِ تعالى، مثل: سبحان اللَّه، والحمد للَّهِ، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، ومعنى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ}؛ أي: إنه يعلم ذلك، كما يقال: ارتفع الأمر إلى القاضي وإلى السلطان أي: عَلِمَهُ، ويجوز أن يكون معنى {إِلَيْهِ}؛ أي: إلى سمائه، وهو المَحَلُّ الذي لا ينبغي لأحدٍ سواه فيه مُلْكٌ ولا حُكْمٌ، فجعل صعوده إلى السماء صعودًا إليه (١)، والكَلِمُ: جمع كلمة، وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمي: "الْكَلامُ الطَّيِّبُ" (٢).

قوله: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} اختلف العلماء فِي حكم هذه الكناية ومعنى الآية، فقال أكثر المفسرين: الهاء فِي قوله: {يَرْفَعُهُ} راجعة إلى {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، يعني أن العمل الصالح يرفع الكلِمَ الطيِّبَ، ولا يُقْبَلُ القولُ إلا بالعمل الصالح، وهذا اختيار نحاة البصرة (٣).

فمن قال قولًا صالحًا، وعَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ صالحٍ رَدَّ اللَّه عليه قولَهُ، ومن قال حَسَنًا وعَمِلَ صالحًا رَفَعَهُ، ودليل هذا القول قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَقْبَلُ اللَّهُ قَوْلًا إلا بالعملِ، ولا يَقْبَلُ قَوْلًا ولا عَمَلًا إلا بِنِيّةٍ" (٤)، وجاء في الخبر: "طَلَبُ الجَنّةِ بِلا عَمَلٍ ذَنْبٌ مِنَ الذُّنُوبِ" (٥)، وفي هذا المعنى يقول الشاعر:


(١) ينظر فِي هذا: الوسيط ٣/ ٥٠٢، عين المعانِي ١٠٨/ أ، تفسير القرطبي ١٤/ ٣٢٩.
(٢) هذه قراءة عَلِيٍّ وابن مسعود وزيد بن عليٍّ وإبراهيم النخعي أيضًا، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٢٤، معانِي القرآن للفراء ٢/ ٣٦٧، تفسير القرطبي ١٤/ ٣٣٠.
(٣) ينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٢٦٥، معانِي القرآن للنحاس ٥/ ٤٤٠؛ ٤٤٢، إعراب القرآن للنحاس ٣/ ٣٦٤.
(٤) رواه ابن حبان عن ابن مسعود في كتاب المجروحين ١/ ١٥٠، وينظر: الكشف والبيان ٨/ ١٠١، عين المعانِي ورقة ١٠٨/ أ، تفسير القرطبي ١٤/ ٣٣٠، ميزان الاعتدال ١/ ٩٠.
(٥) ينظر: الكشف والبيان ٨/ ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>