للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: هذه الكناية راجعةٌ إلى العمل، يعني أن الكلِم الطيِّب يرفع العمل، فلا يُرْفَعُ وَلا يُقْبَلُ عَمَلٌ إلا أن يكون صادرًا عن التوحيد، وعائدُ الذِّكْرِ يُرْفَعُ ويُنْصَبُ، وهذا التأويل اختيار نحاة الكوفة (١)، وقال آخرون (٢): الهاء كناية عن العمل، والرفع من صفة اللَّه تعالى أي: يرفعه اللَّه.

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}؛ أي: المُحتاجون إليه فِي رزقه ومغفرته، {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ} عن عبادتكم {الْحَمِيدُ (١٥)} عند خلقه بإحسانه إليهم، {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} شرطٌ وجزاءٌ، {وَيَأْتِ} {بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ}؛ أي: نَفْسٌ مُثْقَلةٌ بالذنوب والخطايا {إِلَى حِمْلِهَا}؛ أي: إلى ما حَمَلَتْ من الخطايا والذنوب {لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} جزمٌ على جواب الشرط {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}؛ أي: ولو كان الذي يدعوه ذا قرابةٍ ما حَمَلَ عنه شيئًا، قال ابن عبّاسٍ (٣): يقول الأب والأم: يا بُنَيَّ! احْمِلْ عَنِّي، فيقول: حَسْبِي ما عَلَيَّ.

وقال الفُضَيْلُ بن عِياضٍ (٤) في قوله تعالى: {لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا


(١) ينطر: معانِي القرآن للفراء ٢/ ٣٦٧، جامع البيان ٢٢/ ١٤٤ - ١٤٥، الكشف والبيان ٨/ ١٠٢.
(٢) هذا قول قتادة وابن الأنباري، وقد أجاز ابن الأنباري قولَ الفراء أيضًا، ينظر: إيضاح الوقف والابتداء ص ٨٤٨، وينظر أيضًا: معانِي القرآن للنحاس ٥/ ٤٤٢، الكشف والبيان ٨/ ١٠٢، زاد المسير ٦/ ٤٧٨.
(٣) ينظر قول ابن عباس في الوسيط ٣/ ٥٠٣.
(٤) الفُضَيْلُ بن عِياضِ بن مسعود، أبو علي التميمي اليربوعي، شيخ الحرم المكي، من أكابر العلماء الصالحين، محدث ثقة، أخذ عنه خلق كثير منهم الشافعي، ولد بسمرقند ونشأ بأبْيَوَرْدَ، ودخل الكوفة وهو كبير، وأصله منها، ثم سكن مكة، وتوفي بها سنة (١٨٧ هـ). [تهذيب الكمال ٢٣/ ٢٨١؛ ٣٠٠، الأعلام ٥/ ١٥٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>