للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُبُوبِيَّتِي فإذا نزل به العذابُ اسْتَكانَ وتَضَرَّعَ، لَمْ يَنْفَعْهُ ذلك عندي (١).

والمعنى: سَنَّ اللَّهُ هذه السُّنّةَ فِي الأمم كُلِّها ألَّا ينفعهم الإيمانُ إذا رَأوا العذابَ، وفِي نصب {سُنَّتَ} ثلاثة أوجهٍ أحدها: بِنَزْعِ الخافض أي: كَسُنّةِ اللَّهِ (٢)، والثانِي: على المصدر؛ لأن العرب تقول: سَنَّ يَسُنُّ سَنًّا وسُنّةً (٣)، والثالث: على التحذير (٤) أي: احْذَرُوا سُنّةَ اللَّه، كقوله تعالى: {نَاقَةُ اللَّهِ} (٥).

قوله: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (٨٥) أي: هَلَكَ عند ذلك المُكَذِّبُونَ: يعني: يوم القيامة، و {هُنَالِكَ} من أسماء المواضع، وتستعمل في الأزمنة، و"هُنا" إشارةٌ إلى الغائب كما أن "هَذا" إشارةٌ إلى الحاضر، واللام توكيدٌ والكاف اسمٌ للمخاطَب (٦)، وكُسِرَتِ اللامُ لالتقاء الساكنين، ومثلها في الآية قبلها، وقد ذكرت نظيرها في سورة آل عمران (٧)، واللَّه أعلم، وباللَّه التوفيق.


(١) قاله ابن عباس، ينظر: الوسيط ٤/ ٢٣.
(٢) هذا قول السجاوندي في عين المعاني ورقة ١١٧/ أ، وينظر: تفسير القرطبي ١٥/ ٣٣٦.
(٣) هذا قول أكثر العلماء، ينظر: مجاز القرآن ٢/ ١٤١، ١٩٥، معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٣٧٨، إعراب القرآن ٤/ ٤٥.
(٤) في الأصل: "على التحذير والإغراء"، وهو وهم.
(٥) الشمس ١٣، وهذا القول ذكره السجاوندي بغير عزو في عين المعاني ورقة ١١٧/ أ، وينظر: تفسير القرطبي ١٥/ ٣٣٦، البحر المحيط ٧/ ٤٥٨، الدر المصون ٦/ ٥٤.
(٦) "هُنا" إشارة إلى القريب لا إلى الغائب كما قال المؤلف، والكاف حرفُ خطابٍ، وليست اسمًا كما زَعَمَ، قال الجوهري: "هُنا وهاهُنا للتقريب إذا أشَرْتَ إلى مكانٍ، وهُناكَ وهُنالِكَ للتبعيد، واللام زائدةٌ، والكاف للخطاب وفيها دليلٌ على التبعيد، تُفْتَحُ للمذكّر وتُكْسَرُ للمؤنث، قال الفراء: يقال: اجلسْ هاهُنا قريبًا، وتَنَحَّ هاهُنا أي تَباعَدْ". الصحاح ٦/ ٢٥٦١، وقال الزمخشري: "وهُنالِكَ: مكان مستعار للزمان أي: وخسروا وقت رؤية البأس". الكشاف ٣/ ٤٤٠، قال السمين الحلبي معلقا على قول الزمخشري: "ولا حاجة له، فالمكانية ظاهرة". الدر المصون ٦/ ٥٤.
(٧) آل عمران الآية ٣٨، وهو قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} [آل عمران: ٣٨]، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>