للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: أبو بكرٍ وعُمَرُ. والمعنى: لا يستوي الصبر والغضب، والحلم والجهل، والعفو والإساءة، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} كدفع الغضب بالصبر والإساءة بالعفو، {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ} خبر الظرف {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) أي: قريبٌ صديقٌ، أراد: فإذا فَعَلْتَ ذلك، ودَفَعْتَ السيئةَ بالتي هي أحْسَنُ، صار الذي بينك وبينه عداوةٌ كالصديق القريب.

قيل: نزلت هذه الآية في أبِي جهلٍ، كان يؤذي رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان عليه السّلام يُبْغِضُهُ ويَكْرَهُهُ، فأمره اللَّه تعالى بالعفو والصفح (١)، وقيل (٢): نزلت في أبِي سفيان بنِ حربٍ، وكان مُؤْذِيًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلانَ للمسلمين بعد شِدّةِ عَداوَتهِ بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم أسلم، فصار وَلِيًّا في الإسلام، حَمِيمًا بالقرابة.

قوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا} يعني الأعمال الصالحة، والعفو والصفح (٣) {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} على كَظْمِ الغَيْظِ {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)} يعني نصيبًا وافِرًا، وهي الجنة، وقال ثعلب: الهاء راجعة على "الَّتِي هِيَ أحْسَنُ"، ومَحَلُّ {إِلَّا الَّذِينَ} رفعٌ على اسم ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ (٤).

قوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}


(١) رواه البيهقي بسنده عن مقاتل في السنن الكبرى ٧/ ٤٤ كتاب النكاح: باب ما أمره اللَّه، تعالى، به من أن يدفع بالتي هي أحسن، وينظر: تفسير القرطبي ١٥/ ٣٦٢.
(٢) قاله مقاتل، ينظر: الكشف والبيان ٨/ ٢٩٧، الوسيط ٤/ ٣٦، تفسير القرطبي ١٥/ ٣٦٢.
(٣) يعني أن الضمير في "يُلَقّاها" راجع إلى المعنى، قاله النحاس في إعراب القرآن ٤/ ٦٢.
(٤) يعني أن "الَّذِينَ" نائبُ فاعلٍ للفعل "يُلَقّاها"، وهو في الوقت نفسه المفعول الأول له، وهو ما يسميه المؤلف تبعًا للكوفيين: اسمَ ما لَمْ يُسَمَّ فاعله.

<<  <  ج: ص:  >  >>