للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ}، يعني: عن الهدى {فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ} يهديه ويمنعه من عذاب اللَّه {وَتَرَى الظَّالِمِينَ} الكافرين {رَأَوُا الْعَذَابَ} في الآخرة {يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) أي: هل من رجوع إلى الدنيا من سبيل؟ {وَتَرَاهُمْ} يعني الظالمين {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}؛ أي: على النار {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ}؛ أي: خاضعين متواضعين من الذُّلِّ الذي نزل بهم، وهو منصوب على الحال.

وقوله: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} قيل (١): "مِنْ" بمعنى الباء، مَجازُهُ: بِطَرْفٍ خَفِيٍّ، أي: ضعيف من الذُّلِّ والخوفِ الذي نَزَلَ بهم، وقيل (٢): "مِنْ" للابتداء، فالنظر من الطرف كالنظر من السماء، فلا حاجة إلَى جعل "مِنْ" بِمَنْزِلةِ الباء، والمعنى أنّهُمْ يَتَسارَقُونَ النَّظَرَ إلَى النار خوفًا منها.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} له التصرف فيهما بما يريد {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} فِي الرَّحِمِ {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} يعني البنات، ليس فيهن ذَكَرٌ، كما وَهَبَ لِلُوطٍ عليه السّلام، لَمْ يولد له الا ابنتان {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ


(١) قال الأخفش: "وقال يونس: إن "مِنْ طَرْفٍ" مثل: بِطَرْفٍ، كما تقول العرب: ضَرَبْتُهُ في السيف وبالسيف". معانِي القرآن ص ٤٧١، وبه قال الأخفش أيضًا، فقد صرح بذلك حين قال: "قال: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} يريد: عن أيمانهم، واللَّه أعلم، كما قال: "يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ"، يقول: بطرف". معانِي القرآن ص ٤٩٤، وهو مذهب الكوفيين في أن حروف الخفض ينوب بعضها عن بعض بقياس.
(٢) هذا قولٌ آخَرُ للأخفش، فقد قال: "وقال: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} جَعَلَ الطُّرْفَ العَيْنَ، كأنه قال: ونَظُرُهُمْ من عينٍ ضعيفةٍ". معانِي القرآن ص ٤٧١، وينظر أيضًا: البحر المحيط ٧/ ٥٠١، الدر المصون ٦/ ٨٧، وكونها ابتدائيةً هو قول البصريين، فهم يجعلونها للابتداء في أحوالها كلها، ويجعلون هذه المعانِيَ متفرعة عن هذا المعنى، ينظر: الجنى الدانِي ص ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>