ويحتمل أن يكون قائل هذا أصابه من الدهش والحيرة لما أصابه من سعة رحمة الله ﷿ بعد إشرافه على الهلاك، وما ناله من السُّفول والزحف على الصراط، وما لقيه من حر النار وريحها، وانفهاق الجنة له بعدَ بُعدها عنه ما لم يحتسبه، وما لم يطمع فيه، فلم يحفظ فرحًا ودهشًا لفظَهُ، وأجرى كلامه على عادته.
وقيل: معنى "أتسخر بي" أي أنت لا تسخر بي وأنت الملك، وأن الهمزة هاهنا ليست للاستفهام والتقرير للسخرية بل لنفيها، كما قال تعالى: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥]؛ أي إنك لا تفعل ذلك.
وقد يكون هذا الكلام على طريق المقابلة من جهة المعنى والمجانسة، كما قال: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] ونحوه.
وذلك لما أخلف هو مواعيد الله غير مرة أن لا يسأله شيئًا غير ما سأله أولًا، فلما رأى ذلك خشي أن يكون ذلك إطماعًا له فيما رآه، ثم يمنع منه معاقبة لإخلافه وغدرته، ومكافأته له على ذلك، فسماه سخرية مقابلة لمعنى ما فعل.
وفي هذا عندي بُعد على أني بسطت فيه من البيان ما لم يبسطه قائله، فإن الآية سمَّى فيها العقوبة سخرية واستهزاء مقابلة لأفعالهم، ولا عقوبة هنا إلا بتصوير الأطماع، وهو حقيقة السخرية التي لا تليق بالله وخُلف الوعد،