عائشة رضي الله عنها صرحت بالنسخ، ولكنها كانت فيما يتلى من القرآن عند وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لعدم علم التالي لها بالنسخ، وهذا أمر واقع، فالحديث يدل على أن النسخ وقع متأخرًا ولم يعلم به بعض الناس، فصار يقرؤه فيما يتلو من القرآن، وإذا زال الإشكال فإنه لا ينبغي أن نتجرأ على الطعن في الرواة؛ لأنك إذا حكمت بنكارة المتن حكمت بوهم الرواة وخطئهم، وهذا شيء صعب، فمهما أمكن قبول خبر الثقة فإنه يقبل، أما إذا لم يمكن وكان مخالفًا للقرآن؛ فلا يقبل، لكن إذا كان غير مخالف وأمكن الجمع فإنه يجمع.
وهذا الذي ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله هو الصحيح؛ أن المحرم خمس رضعات، وفي الحديث:"معلومات"، فلو وقع الشك في عددها هل هي خمس أو أربع؟ فلا عبرة بهذا الرضاع؛ لأن الحديث قيد الرضعات بأن تكون معلومات، ومع الشك لا يثبت الحكم، وهذا مما يطمئن الإنسان لما يفتي به الناس في هذه المسألة؛ لأن كثيرًا من الناس يأتي ويقول: إن الرضاع ثابت، لكن لا ندري كم كان الرضاع.
فنقول: ما دام أن الحديث: "خمس رضعات معلومات" فإن ما شك فيه ليس معلومًا، وحينئذ فلا يثبت به الحكم.
بقي أن ننظر: هل يمكن أن يقيد إطلاق القرآن بالسنة؟
والجواب: نعم، يمكن أن يقيد إطلاق القرآن بالسنة، كما يخصص عموم القرآن بالسنة، وأما نسخ القرآن بالسنة فالصحيح أنه ينسخ القرآن بالسنة إذا صحت؛ لأن الكل من عند الله عزّ وجل، فقد ينسخ الله قوله بقوله، وقد ينسخ الله قوله بقول رسوله - صلى الله عليه وسلم -، إذًا: المحرم "خمس رضعات معلومات".