اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: أن المراد بالرضعة ما انفصلت عن أختها انفصالًا بيِّنًا، لتكون رضعة كاملة.
وإذا قدرنا أن الحديث يحتمل المعاني الثلاثة، وهي: المصة، والتقام الثدي، والوجبة من الرضاع، فإن الأصل الحل حتى يقوم دليل بيِّن على أن هذا الرضاع محرم، وبناءً على هذا الأصل يكون الراجح هو القول الثالث؛ لأن دلالة الحديث على المعنى الأول مشكلة وفيها اشتباه، وعلى المعنى الثاني فيها أيضًا اشتباه، وعلى المعنى الثالث تتفق الأقوال وليس فيها اشتباه، وحينئذ فنأخذ بهذا؛ لأن الأصل الحل، حتى يثبت التحريم بيقين ليرفع هذا الأصل.
إذًا: قوله تعالى: {اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} مطلق قيدته السنة بخمس رضعات، وفي الآية أيضًا إطلاق آخر؛ فإن ظاهر الآية أنه يشمل الإرضاع في الصغر، والإرضاع في الكبر، فهل هذا الظاهر مراد؟
نقول: هو مراد عند بعض العلماء؛ كالظاهرية، فعندهم أن إرضاع الكبير كإرضاع الصغير، واستأنسوا لقولهم بحديث سالم مولى أبي حذيفة - رضي الله عنه -، حيث كان متبنى عند أبي حذيفة - أي: من أبنائه الذين تبناهم في الجاهلية - ومعلوم أنه إذا كان ابنًا فسوف يدخل على البيت ليلًا ونهارًا، وفي أقصى البيت وأدناه، فهو كالولد تمامًا، فلما أبطل الله التبني جاءت امرأة أبي حذيفة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت:"إن سالمًا كان يدخل علينا - أي: ويشق علينا أن نتحرز منه - فقال: "أرضعيه تحرمي عليه""(١)،
(١) رواه مسلم، كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير (١٤٥٣) عن عائشة.