للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحرة تعذب تعذيبًا آخر، وهو التغريب، والتغريب قد جاء في صحيح السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي العسيف: "على ابنك جلد مائة وتغريب عام" (١) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" (٢)، ولكن العلماء اختلفوا في تغريب الحرة، هل تغرب أو لا تغرب؟

فمنهم من قال: إنها لا تغرب؛ لأن التغريب إنما هو لصيانة الإنسان عن الزنا، والمرأة إذا غربت ربما يزداد زناها، لا سيما إذا لم يكن معها محرم، فلا تغرب المرأة، فإذا لم تغرب فالأمة يكون عليها خمسون جلدة بلا تغريب؛ لأن الحرة لا تغرب.

ولكن إذا قلنا بالقول الثاني: أنها تغرب، فهل تغرب الأمة كما تغرب الحرة؟

قال بعض العلماء: تغرب نصف سنة، وقال بعض العلماء: لا تغرب؛ لأن تغريبها إضرار بمالكها، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨]، ولكن هذا التعليل عليل؛ لأننا نقول: إذا قلنا بأن التغريب حد فإنه كما يكون إضرارًا بالسيد فالجلد إضرار بالسيد أيضًا؛ لأنها ربما تتأثر صحتها بذلك، وستتأثر سمعتها بذلك وتنقص قيمتها.

وإذا قلنا بأن التغريب يرجع إلى اجتهاد الإمام في الحرة


(١) رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، حديث رقم (٢٥٤٩)؛ ومسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث رقم (١٦٩٧).
(٢) تقدم ص ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>