نحن أولياء، ونحن أصفياء وما أشبه ذلك، فهم يزكون أنفسهم من أجل أن يغتر الناس بهم.
وقوله:{بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}{بَلِ} هنا للإضراب الإبطالي؛ لأن التقدير:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} أتحصل لهم التزكية؟ الجواب: لا تحصل لهم التزكية، ولو كان كل من زكى نفسه حصل له التزكية لكان أخبث الناس يزكي نفسه، فالآن الذين يعبدون الأصنام، أو يعبدون البقر، أو يعبدون الأشجار يقولون: نحن على حق، فيزكون أنفسهم، لكن ترجع التزكية إلى الله، ولهذا أبطل الله هذه التزكية كلها، وقال:{بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}، فقوله "بل" هنا للإضراب الإبطالي.
و{بَلِ} تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الإنتقالي، فقوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (٦٦)} [النمل: ٦٦]، هذا إضراب انتقالي من شيء لآخر، والشيء الأول باق، ولكن تنقل بين الأحوال إلى أن يصلوا إلى هذا الحد.
فالحاصل أن الإضراب يكون إبطاليًا ويكون انتقاليًا.
وقوله:{بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}: فهو الذي - يزكي عزّ وجل -، وهو الذي يثني، قال الله تبارك وتعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد: ١٠]، فأعطى الله تعالى التزكية لهؤلاء، كل بحسب حاله، فقال:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ} فأعطى هؤلاء