فأجابوا بأن قوله:{مِنْ فَوْقِهِمْ} يمنع أن يكون هذا الخوف وهمًا، بل هو خوف عن علم.
كذلك قالوا: إن الخشية تكون من عظمة المخشي، والخوف يكون إما من عظمة المخوف وإما من ضعف الخائف، وعلى هذا فإذا خاف صبي له سبع سنوات من صبي له عشر سنوات فنقول: هذا خوف؛ لأن الصبي الذي له عشر سنوات ضعيف لا يُخشى منه، لكن لضعف الصبي الثاني الذي له سبع سنوات صار يخاف، فنقول: هذا خوف وليس خشية.
وخشية الله عزّ وجل لا شك أنها لعظمة المخشي عزّ وجل، وكل من سوى الله فهو ضعيف بالنسبة لله، كما قال تعالى:{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}[فصلت: ١٥].
وقالوا أيضًا: إن الخشية أشد من الخوف، واستدلوا لهذا بالإشتقاق، فقالوا: إن الخشية والشين والياء في جميع تصرفاتها تدل على غلظة، ومنه الشيخ، فـ (شَيَخَ) تدل على كبر وتقدم سن، والإنسان إذا كبر وتقدم سنه صلب عوده، وإذا أردت أن تعدله انكسر، لكن الصغير لين يمكن أن تعدله إذا مال، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام وهو يوصي السرايا والبعوث قال:"اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم"(١) أي: شبابهم.
وقالوا أيضًا: منه الخيش من خَيَشَ، وهو: الخشن من
(١) رواه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في قتل النساء، حديث رقم (٢٦٧٠)؛ والترمذي، كتاب السير، باب النزول على الحكم، حديث رقم (١٥٨٣)؛ وأحمد (٥/ ١٢) من حديث سمرة بن جندب.