للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {قُلْ} الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام: {مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} أي: والله! متاع الدنيا قليل، لا بالنسبة لنوعه ولا لجنسه، ولا لأمده، فكل ما في الدنيا من نعيم لا يقاس بنعيم الآخرة، كما قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] حتى إن ما يوجد في الدنيا ويوجد له نظير في الآخرة فالفرق بينهما عظيم، بل الفرق بينهما كالفرق بين الدنيا والآخرة، فيهما فاكهة ونخل ورمان ولحم وخمر ولبن وماء وعسل، لكن هذا ليس مثل هذا، ولا يمكن أن يُتصور ما في الآخرة، {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.

وأيضًا هو قليل من جهة أمده، ومهما كان فهو قليل، فالذين بقوا في كهفهم ثلاثمائة سنة: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: ١٩]، والذي أماته الله مائة عام ثم بعثه قال: {لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [البقرة: ٢٥٩] وقد قال الله: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧)} [الشعراء: ٢٠٥ - ٢٠٧]، فمهما طال الأمد في الدنيا فإنه قليل، ولقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها" (١).

ولهذا قال عزّ وجل: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} فالآخرة خير من الدنيا، و {خَيْرٌ} اسم تفضيل حذفت منه همزة أفعل تخفيفًا، لكثرة وروده في كلام الناس، ومثله شر، ومثله ناس، فهو خير في نوعه وجنسه ومدته، ولهذا قال في سورة سبح: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)} [الأعلى: ١٦ - ١٧].

وقوله: {لِمَنِ اتَّقَى} هذا قيد لا بد منه؛ لأن الآخرة ليست


(١) تقدم ص ٥٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>