للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دائمًا؛ ولهذا لم تقيد الآية بالأبدية، وعلى هذا القول لا يكون في الآية إشكال إطلاقًا، ومن العلماء من يقول: الخلود هو المكث الدائم، وعلى هذا القول يرد على هذه الآية إشكال، وهو: أن قاتل النفس عمدًا لا يخرج من الإيمان، لقول الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: ١٧٨]، والمؤمن لا يخلد النار؟ ! وهذا إشكال كبير جرى بين أهل السنة وأهل البدعة، وفيه مناظرات كثيرة، وأشكلت كذلك على أهل السنة، حيث إن ظاهرها أن قاتل المؤمن عمدًا يخلد في النار فهو كافر، وهذا مذهب المعتزلة والخوارج، وأجابوا عنها بالآتي:

فقيل: إن الآية محمولة على من استحل ذلك؛ أي: من استحل قتل المؤمن عمدًا، لكن هذا القول ساقط؛ لأن من استحل قتل المؤمن عمدًا فهو كافر، سواء قتل أم لم يقتل، ولهذا لما ذُكر هذا القول للإمام أحمد رحمه الله تبسم، وقال: "إذا استحل قتله فهو كافر، سواء قتله أم لم يقتله" (١).

وهذا التخريج يشبهه تخريج من خرج أحاديث كفر تارك الصلاة على أن المراد من استحل ذلك، فإنه يقال: من استحل ترك الصلاة فهو كافر، سواء ترك أم لم يترك، فحمل نصوص كفر تارك الصلاة على المستحل الذي لا يعتقد فرضيتها فيه تحريف للنص، من وجهين:

الوجه الأول: صرف اللفظ عن ظاهره.

والوجه الثاني: تحميل النص معنى لا يدل عليه.

فالجناية على النصوص في هذه المسألة من وجهين.


(١) مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله (١/ ٣٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>