تندمون عليه، وما أكثر ما يندم الإنسان إذا أقدم على شيء قبل التبين، حتى في خاصة نفسه، فلو أنه أراد أن يفعل فعلًا ثم بمجرد ما طرأ على نفسه أو على قلبه فعل قبل أن يتروى في الأمر، وقبل أن ينظر النتائج فستجده يندم، فكيف إذا كان الفعل متعلقًا بغيره؟ يكون أشد. وكثيرًا ما يدخل الإنسان بيته فيجد الولد يصيح فيقول: ما لك يا بني؟ ! فيقول: ضربني أخي، ثم ينهال الأب ضربًا على الأخ الذي ادعى الصغير أنه ضربه، فإذا تبين الأمر فقد يكون الخطأ من الصغير، فنقول: تثبت، ولا تقدم حتى تتبين.
وسبب ذلك: أن الإنسان تأخذه الغيرة فيندفع، والغيرة إذا لم تكن مضبوطة بحد من الشرع وحد من العقل أصبحت غِيرة، والغِيرة هي: فساد الطعام في المعدة، حتى إذا تجشأ الإنسان ظهر لها رائحة كريهة، وكأنها اللحم المنتن، فالغيرة لا بد أن تكون مضبوطة بحد من الشرع والعقل، ولهذا قال:{فَتَبَيَّنُوا}.
وقوله:{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}{السَّلَامَ}، فيها قراءتان:"السَلَم" و"السلام"، وقوله:{لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ} أي: مد إليكم السلام، وأبلغه إياكم؛ لأنه مسلم، فالسلام هنا بمعنى الإسلام، لا تقولوا له:{لَسْتَ مُؤْمِنًا} بل خذوه بظاهر حاله؛ لأن هذا هو الواجب علينا أن نجري الأحكام في الدنيا على ظاهر الحال؛ لأننا لا نعلم ما في القلوب، وأما في الآخرة فالأحكام تجري على ما في القلوب، كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)} [الطارق: ٩]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠)}