للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في منى أنكروا عليه، ولكنهم تابعوه، ومتابعتهم إياه يدل على أن القصر ليس بواجب؛ إذ أنه لو كان واجبًا ما صح أن يتابعوه، كما أن الإمام لو صلى خمسًا فإنه لا يتابع ولو كان ساهيًا، فكذلك إذا صلى المسافر أربعًا فإننا نقول: لو كان الواجب هو الركعتين، فلا تتابعوه على ذلك.

وهذا دليل واضح جدًا على أن القصر ليس بواجب، وهو الأقرب عندي بعد أن كنت أرجح أن القصر واجب، لكن بعد التأمل رأيت أن قول الجمهور أقرب إلى الصواب، والله أعلم.

٣ - أن قصر الصلاة ثابت في كل ما يسمى ضربًا في الأرض، لقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} وهذا مطلق، لم يُقيد بيومين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة، فدل ذلك على أن كل ما يسمى ضربًا في الأرض فإنه تقصر فيه الصلاة، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: "كل ما يسميه الناس سفرًا وضربًا في الأرض فإنه سفر، يثبت له أحكام السفر"، ودليله: الإطلاق، ودليل آخر أنه ثبت في صحيح مسلم أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين" (١).

وقال الجمهور: بل السفر هنا مطلق، لكنه قيدته السنة، وهو: يومان قاصدان، وتقريبه بالفراسخ ستة عشر فرسخًا، يعني: أربعة برد، والبرد: جمع بريد، وسميت بذلك لأنها مسافات كان يقطعها رسل البريد، فقد كانوا فيما سبق يجعلون مراحل للبرد:


(١) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم (٦٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>