للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل أربعة فراسخ بريد، والفرسخ: ثلاثة أميال، يعني: كل اثني عشر ميلًا يكون بريدًا، فكان يذهب الفارس من هذا المكان إلى المكان الآخر وإذا بفارس آخر ينتظره، فيسلمه ما معه من الرسائل، فينطلق إلى مثله، وإذا الفارس الثالث ينتظره، وهلم جرا حتى يصلوا إلى آخر مرحلة، فلا بد من أن تكون هذه المسافة، وما دونها وإن سمي سفرًا وإن حمل له المتاع وإن شدت له الرواحل فإنه لا يحصل فيه القصد. فيقال: أين الدليل على هذا؟

فلم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حددها، بل حديث أنس - رضي الله عنه - الذي ذكرناه آنفًا يدل على أنه يقصر في ثلاثة أميال أو فراسخ، وإذا قلنا بالأعلى، وهو الفراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فأين هي من الستة عشر فرسخًا؟ فإذًا: يرجع في ذلك إلى العرف.

لكن إذا اختلف العرف فحينئذ يمكن أن نرجع إلى التحديد، ونقول بأنه يحدد بالفراسخ، ونقول ذلك عند الضرورة، أما إذا أمكن ضبط العرف فلا نعدل عنه.

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن هذا التحديد بالفراسخ غير صحيح بحسب الواقع؛ لأنه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس هناك أناس مساحون يقيسون الأرض حتى بالذراع، بل حتى بالشبر، بل حتى بالإصبع، بل حتى بحبة الشعير، بل حتى بشعرة؛ لأن الفقهاء الذين حددوا السفر حددوه إلى هذا الحد، فقالوا: الستة عشر فرسخًا هي كذا وكذا، وهذا كذا وكذا إلى أن وصلوا إلى التحديد بالشعرة.

وبناءً على ذلك: لو كان هناك أناس منعزلون وبينهم وبين

<<  <  ج: ص:  >  >>