للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام عام الفتح في مكة تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة، ولم يقل للناس: أتموا، وأقام في تبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة، ولم يقل للناس: أتموا.

ثانيًا: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة في حجة الوداع وهي آخر سفرة سافرها في اليوم الرابع من ذي الحجة، ومكث يقصر الصلاة، ولم يقل للناس: من قدم قبل اليوم الرابع فليتم، أو من قدم قبل عشرة أيام فليتم أو ما أشبه ذلك، فعلم من هذا أنه لا حد للإقامة التي تمنع أو تقطع حكم السفر، وهذا القول هو الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله ونصره بأدلة قوية ظاهرة، ذكر ذلك في أول باب "صلاة الجمعة" في "الفتاوى" وفي مواضع كثيرة من كلامه، ونصره نصرًا عزيزًا، وهو جدير بالنصر؛ لأن أي إنسان يقيد بأربعة أيام أو بخمسة أو بأكثر أو بأقل، يقال له: أين الدليل؟ ولو كان هذا القيد لازمًا لبينه الله تعالى في القرآن، أو لجاءت به السنة وبينته بيانًا واضحًا؛ لأن هذا مما تتوافر الدواعي على نقله، ومما يحتاج الناس إليه، فكيف يُترك عمل بلا بيان؟ !

ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة على نحو عشرين قولًا أو أكثر ذكرها النووي رحمه الله في "شرح المهذب"، فمنهم من قال: أربعة أيام صافية، يعني: لا يحسب منها يوم الدخول ويوم الخروج، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، ومنهم من قال: أربعة أيام بيوم الدخول والخروج، وهذا مذهب الحنابلة، ومنهم من قال: خمسة عشر يومًا، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله، ومنهم من قال: تسعة عشر يومًا وهذا مذهب ابن عباس رضي الله عنهما، وفي المسألة أيضًا آراء أخرى من أراد أن

<<  <  ج: ص:  >  >>