للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التامة، وبالعلم والحكمة تتم الأمور؛ لأن تخلف الأمور سببه أحد أمرين: إما الجهل، وإما السفه، فإذا وجد العلم ارتفع الجهل، وإذا وجدت الحكمة ارتفع السفه، فلما اجتمع في حقه سبحانه العلم والحكمة، انتفى أيّ اعتراض يمكن أن يعترض به على الحكم، ولهذا نجد الجاهل يتخبط في الأحكام؛ لأنه جاهل، ولو كان عنده حسن قصد وحسن إرادة، لكنه جاهل، وتجد العالم السفيه الذي ليس عنده حكمة ترشده إلى ما فيه الخير يتخبط ويتعسف، أما من لديه علم وحكمة فإنه كامل الحُكم، وأحكامه تامة؛ والله سبحانه هو العليم الحكيم.

والعليم والحكيم من أسماء الله عزّ وجل، والعلم إدراك المعلوم على ما هو عليه، فخرج بقولنا: "إدراك المعلوم" من لم يدرك، فهذا جاهل جهلًا بسيطًا، وخرج بقولنا: "على ما هو عليه" من أدرك الشيء على غير ما هو عليه، وهذا جاهل لكن جهله مركب.

والجهل البسيط أهون من الجهل المركب، ونضرب لذلك ثلاثة أمثلة: فلو سأل سائل عن غزوة بدر، فقيل له: وقعت في رمضان في السنة الثانية، فهذا المجيب عالم، ولو أجيب بأنها في السنة الثالثة، فهذا جاهل جهلًا مركبًا، ولو أجيب بـ "لا أدري" فهذا جاهل جهلًا بسيطًا، وهو خير من الجهل المركب. ويقال: إن رجلًا يسمى توما يدعي الحكمة، فقال فيه القائل:

قال حمار الحكيم توما ... لو أنصف الدهر كنت أركب

لأنني جاهل بسيط ... وصاحبي جاهل مركب

فالحمار جاهل لكن جهله بسيط، وتوما صاحبه جاهل مركب، وعلى هذا يقول الشاعر الآخر:

<<  <  ج: ص:  >  >>