الرسول، {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} يعني: نراه بأعيننا، وهذا شيء مستحيل! من هم الذين يرون الله في الدنيا؟ ! الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يرون الله في الدنيا، فكيف بهؤلاء القوم العتاة المعاندين؟
فقول الله عزّ وجل:{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ}؛ أي: أنهم صعقوا فهلكوا، وقوله:{بِظُلْمِهِمْ} أي: بسبب ظلمهم، فالباء هنا للسببية، والظلم أنهم اعتدوا في الدعاء {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَة} وهذا عدوان عظيم، لا بالنسبة لموسى، ولا بالنسبة للرب عزّ وجل، فإن مثل هذا لا يمكن أبدًا، ومن دعا بما لا يمكن فقد اعتدى في الدعاء.
قوله:{أَرِنَا اللَّهَ} فيها قراءة أخرى وهي: "أَرْنَا الله" يعني: بسكون الراء؛ لأن هذه أخف على الإنسان وإلا فالمعنى واحد.
قوله:{ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، قوله:{ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} المفعول الثاني محذوف؛ أي: إلهًا، وقوله:{ثُمَّ} للترتيب الذكري، يعني: أضف إلى هذا الأمر المنكر منكرًا آخرًا، وهو اتخاذهم العجل إلهًا، وهذا العجل ليس حيوانًا، بل عجلًا جمادًا، استعاروا حليًا، ثم صنعوه على هيكل عجل، وجعلوا داخله مجوفًا، وجعلوا له ثقبًا في رأسه، وفتحة في دبره، فيوجهونه إلى الريح مستدبرًا إياها، فتدخل الريح في هذا المجوف من ثقب واسع، وتخرج من ثقب ضيق، وبطبيعة الحال سوف يكون له صوت، فكان له خوار كخوار الثور، وقوم العجل هؤلاء ثيران، فقد قال لهم السامري:{هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}[طه: ٨٨] يعني: أن موسى ضل وضاع عن الإله؛