لأنه كان قد واعد ربه ثلاثين ليلة، فأتمها الله عشرًا حتى صارت أربعين ليلة، قالوا: موسى ضال، يبحث عن الإله، وهذا هو الإله، فاتخذوا هذا العجل الذي صنعوه بأيديهم إلهًا يعبدونه، ونصحهم هارون وقال:{يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}[طه: ٩٠] فكان الجواب: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (٩١)} [طه: ٩١] , ونعرف أن موسى عليه السلام لم يضل إلهه، وأن له إلهًا سوى هذا، وبقوا على عبادة العجل، وهذا أيضًا منكر عظيم، حيث جعلوا مع الله إلهًا آخر صنعوه بأيديهم، ثم صاروا كالصبيان، تدخل الريح من الدبر وتخرج من الفم، ويظنون أن هذا خواره، وإذا كان إله يخور فما الفائدة منه؟ لكن هذا يدل على سفاهة عقولهم، وأنهم على حد كبير من السفه!
وقوله:{ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، {الْبَيِّنَاتُ} يعني: الآيات البينات، والبينات الظاهرة التي ليس فيها إشكال؛ لأن موسى عليه السلام آتاه الله تسع آياتٍ بينات واضحة جلية، يغني عنها آية واحدة، كان له عصى يهش بها على غنمه، ويتوكأ عليها, وله فيها مآرب كالدفاع عن نفسه وما أشبه ذلك، فإذا ألقاها انقلبت في الحال ثعبانًا مبينًا، وحية عظيمة فهذه من أعظم الآيات.
ثم هي ليست حية وهمية تخيلية كما هو في صنيع السحرة، بل هي حية حقيقية تتحرك، وتأكل وتبلع بإذن الله عزّ وجل، والسحرة ملأوا الدنيا حبالًا وعصيًا، وصار يخيل إلى موسى أنها تسعى حتى {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً}[طه: ٦٧] فألقى هذه العصا،