للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبدأت تلتهم هذه الحبال والعصي، وسبحان الله! يعني: في لحظة تذوب هذه الحبال والعصي، ثم تبلع أُخر في لحظة، يعني: هذا خلاف المعتاد، فالمعتاد أن الطعام يدخل في الجوف، ويبقى مدة، ويتحول إلى دم ثم يخرج فضلات، لكن هذه بإذن الله تبلع، والظاهر - والله أعلم - أنه يخرج مباشرة منصهرًا خالصًا، وهذا من آيات الله عزّ وجل، ومع ذلك جاءتهم البينات وشاهدوها، ولكنهم اتخذوا العجل إلهًا.

قوله: {فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ} سبحان ربنا عزّ وجل، ما أكرمه وأعظمه، عفا الله عنهم؛ لأنهم أمروا بالتوبة، ولكنها توبةٌ شديدة، منَّ الله علينا معشر هذه الأمة الإِسلامية المحمدية برفعها، أمروا أن يقتلوا أنفسهم، وليس معنى أن كل واحد يقتل نفسه، بل يقتل بعضهم بعضًا، لكن الأمة الواحدة كأنها نفس واحدة، فألقيت عليهم الظلمة، وأخذوا الخناجر والسكاكين، وجعل الواحد منهم يقتل مَنْ أمامه ولو كان أباه أو أمه، فلما علم الله منهم صدق الرجوع إلى الله، وامتثال الأمر؛ لأن كون الإنسان يؤمر بأن يقتل قومه، هذه من أشد ما يكون على النفوس، فلما انقادوا وذلوا إلى هذا النوع من التوبة رفع الله عنهم ذلك وعفا عنهم.

قوله: {وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا} {وَآتَيْنَا} أعطينا، والسلطان في كل موضع بحسبه، فسلطان الأنبياء هي آياتهم؛ لأنها حجة قوية يتسلطون بها على من أنكر، فهذا السلطان الذي أوتي موسى هو الحجج والبراهين الدالة، حتى إن الله سبحانه كتب لهم في التوراة من كل شيء موعظة وتفصيلًا لكل شيء، والعموم هنا في قوله: {لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٥٤] أي: مما

<<  <  ج: ص:  >  >>