للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يتوقع الناس: بل استقر مكانه، وإن هرب فلن تراني، كأن الجبل لم يتمالك نفسه حتى انهد، ولم يتمكن من الهرب، ولما رأى موسى هذا الأمر العظيم {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أغمي عليه، {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} يعني: لم أسأل هذا إنكارًا، أو جحدًا فأنا أول المؤمنين، لكن أتوب إليك مما سألت؛ لأن هذا السؤال لا يجوز.

ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لم ير الله على كل الأقوال؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل، هل رأيت ربك؟ قال: "رأيت نورًا" (١)، وفي رواية قال: "نور أنى أراه" (٢)، يعني: كيف أراه مع هذه الأنوار، الحجب حجب عظيمة من الأنوار، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه، - أي: بهاؤه وعظمته - ما انتهى إليه بصره من خلقه" (٣) والمعنى: لأحرقت سبحات وجهه كل شيء؛ لأن بصره ينتهي إلى كل شيء.

فمع هذه العظمة كيف يمكن لأحد في الدنيا أن يراه، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم ير ربه على كل الأقوال:

أولًا: من قوله هو نفسه - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "نور أنى أراه؟ ! "، وقال في لفظ آخر: "رأيت نورًا" يعني: نورًا حجب الرؤية، وعائشة رضي الله عنها أنكرت ذلك، وقالت: "من زعم أن


(١) رواية عند مسلم، كتاب الإيمان, باب في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نور أنّى أراه"، وفي قوله: "رأيت نورًا"، حديث رقم (١٧٨) من حديث أبي ذر.
(٢) رواية عند مسلم، كتاب الإيمإن، باب في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نور أنّى أراه", وفي قوله: "رأيت نورًا"، حديث رقم (١٧٨) من حديث أبي ذر.
(٣) رواه مسلم، كتاب الإيمان, باب في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا ينام" وفي قوله: "حجابه النور .. " حديث رقم (١٧٩) عن أبي موسى.

<<  <  ج: ص:  >  >>