للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والناس في الأسباب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

قسم: فرط، وقسم: أفرط، وقسم: توسط، وخير الأمور الوسط.

القسم الأول: فرط وقال: إنه لا أثر للأسباب إطلاقًا، حتى النار التي تحرق الورق ليس لها أثر، واحتراق الورق لم يكن بالنار ولكن عند النار، واحتجوا لذلك بأنك لو أثبت أن للسبب تأثيرًا في المسبب لأشركت بالله، حتى قالوا: أي إنسان يثبت سببًا فهو مشرك، في الربوبية.

القسم الثاني: أفرط وجاوز الحد وقال: إن الأسباب مؤثرة بطبيعتها, ولا يمكن أن تتخلف الأسباب، وهؤلاء أخطأوا أيضًا وأفرطوا.

القسم الثالث: قالوا: إن الأسباب مؤثرة لا بنفسها, ولكن بما أودع الله فيها من القوى المؤثرة، وهؤلاء هم أهل الحق، سواء كان السبب قدريًا أو كان السبب شرعيًا، ولذلك نجد بعض الأشياء مشروعة لها أسباب ولها موانع، مثل الإرث له سبب وله مانع، فربما يكون أبوك الذي يرث مالك كله إذا انفرد به لا يرث شيئًا مع وجود السبب، لوجود المانع، إذًا: السبب هو المؤثر الآن، فالذي جعل الأبوة سببًا للإرث جعل القتل مانعًا من الإرث مثلًا.

كذلك أيضًا الأسباب القدرية، فهذه النار محرقة جعل الله فيها قوة الإحراق، ولما ألقي فيها إبراهيم قال الله لها: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم} [الأنبياء: ٦٩] فانتفى الإحراق، مع أنها سبب مؤثر بأمر الله، ولكن لم تؤثر لما قال الله لها: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم}، فكانت بردًا وسلامًا عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>