للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اقْبِضْنِي إِلَيْكَ (١).

الدليل الرابع: عَنْ عُبَيْدٍ بْنَ جَبْرٍ قَالَ: رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ فِي سَفِينَةٍ مِنَ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: اقْتَرِبْ. فَقُلْتُ: أَلَسْتَ بَيْنَ الْبُيُوتِ؟ فَقال أَبُو بَصْرَةَ: أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ؟! (٢).

قال الشوكاني (٣) بعد ذكر فعل أنس وأبي بصرة الغفاري: والحديثان يدلان على أنه يجوز للمسافر أن يفطر قبل خروجه من الموضع الذي أراد السفر منه.

أما دليلهم من المأثور: فاستدلوا بما ورد عن أنس بن مالك قال: قال لي أبو موسى: «أَلم أُنَبَّأْ أَنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ خَرَجْتَ صَائِمًا، وَإِذَا دَخَلْتَ دَخَلْتَ صَائِمَا، فَإِذَا خَرَجْتَ فَاخْرُجْ مُفْطِرًا، وَإِذَا دَخَلْتَ فَادْخُلْ مُفْطِرًا» (٤).

واعْتُرِضَ على هذا القول بما قاله ابن قدامة (٥): وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾، وَهَذَا شَاهِدٌ، وَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْبَلَدِ، وَمَهْمَا كَانَ فِي الْبَلَدِ فَلَهُ أَحْكَامُ الْحَاضِرِينَ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، فَأَمَّا أَنَسٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ بَرَزَ مِنَ الْبَلَدِ خَارِجًا مِنْهُ، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ فِي مَنْزِلِهِ ذَلِكَ.

قلت: والأحاديث التى ذكروها لا تخلو من مقال؛ فالراجح أن المسافر لا يفطر حتى يبرز عن البيوت، وهو أعدل الأقوالٍ، والله أعلم.


(١) إسناده ضعيف: أخرجه أحمد (٦/ ٣٩٨)، وأبو داود (٢٤١٣) وغيرهما، قلت: وفي إسناده منصور الكلبي، قال الذهبي: لا يُعرف وقال الحافظ في «التقريب»: مستور. وقال ابن المديني: مجهول لا أعرفه.
(٢) إسناده ضعيف: أخرجه أحمد (٦/ ٣٩٨)، وأبو داود (٢٤١٢)، والدارمي (١٧١٣) وغيرهم، وفى إسناده كليب بن ذهل وعبيد بن جبير وكلاهما مجهول. قال ابن خزيمة بعد ذكر الحديث: لَسْتُ أَعْرِفُ كُلَيْبَ بْنَ ذُهْلٍ، وَلَا عُبَيْدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَلَا أَقْبَلُ دِينَ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ.
(٣) «نيل الأوطار» (٤/ ٢٧١).
(٤) إسناده صحيح: أخرجه الدارقطني في «السنن» (٢/ ١٨٨).
(٥) «المغني» (٤/ ٣٤٧).

<<  <   >  >>