للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• المطلب الثاني: إذا أفطر الشيخ الكبير الذى يجهده الصوم، والمريض الذى لا يرجى برؤه، ماذا عليهما؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

• القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى أن الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم والمريض الذي لا يرجى برؤه - عليهما الكفارة (١).

استدلوا بالنص والمأثور:

روى البخاري (٢) عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قال ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالمرْأَةُ الْكَبِيرَةُ، لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يوم مِسْكِينًا».

وجه الدلالة ما قاله الكاساني (٣): وَعَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُطِيقُونَهُ -أَيْ: الصَّوْمَ- ثُمَّ عَجَزُوا عَنْهُ - فِدْيَةٌ طعَامُ مِسْكِينٍ وَاللَّهُ أَعْلم؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ لما فَاتَهُ مَسَّتِ الْحَاجَةُ إلَى الْجَابِرِ وَتَعَذَّرَ جَبْرُهُ بِالصَّوْمِ فَيُجْبَرُ بِالْفِدْيَةِ، وَتُجْعَلُ الْفِدْيَةُ مِثْلًا لِلصَّوْمِ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ، كَالْقِيمَةِ فِي ضَمَانِ المتْلَفَاتِ.

واعْتُرِضَ عليه من وجهين:

الأول: أن لفظ الآية: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ والشيخ الكبير والمريض الذي لا يُرْجَى برؤه لا يطيقان الصيام؛ فلا يُستدل لهما بالآية، قال مالك: لا فدية عليه. ووجه قوله أن الله تعالى أوجب الفدية على المطيق للصوم، بقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ وهو لا يطيق الصوم؛ فلا تلزمه فدية (٤).


(١) قال ابن قدامة في «المغني» (٤/ ٣٩٥): الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالْعَجُوزَ، إذَا كَانَ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا لِكُلِّ يوم مِسْكِينًا. وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.
(٢) أخرجه البخاري (٤٥٠٥).
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ٩٧).
(٤) أخرجه البخاري (٤٥٠٥).

<<  <   >  >>