للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا أيضًا: بأنه على أصل الإمام مالك، بأن خبر الواحد إذا خالف القاعدة لم يُعمَل به، والقاعدة عندهم بأنه يسقط الإثم عن الناسي ولا يسقط القضاء، وخبر أبي هريرة خبر واحد، فإذا كان يسقط القضاء ويخالف القاعدة فلا يُعمل به.

واعْتُرِضَ عَليه بما قاله الحافظ ابن حجر: وَأَمَّا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ، وَرَدُّهُ لِلْحَدِيثِ مَعَ صحتِهِ بِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ لَيْسَ بِمُسَلم؛ لِأَنَّهُ قَاعِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِالصِّيَامِ، فَمَنْ عَارَضَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ أَدْخَلَ قَاعِدَةً فِي قَاعِدَةٍ، وَلَوْ فُتِحَ بَابُ رَدِّ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة بِمِثْلِ هَذَا لما بَقِيَ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَفِي الْحَدِيثِ لُطْفُ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَالتَّيْسِير عَلَيْهِمْ وَرَفْعُ المشَقَّةِ وَالْحَرَجِ.

الراجح في المسألة: أن من أكل أو شرب ناسيًا لا يفسد صومه وليس عليه القضاء؛ لما في «الصحيحين» من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله : «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».

• المطلب الثالث: الطعام الذي يُخرجه الإنسان من بين أسنانه، إن تعمد ابتلاعه، هل يفسد صومه؟

قال ابن قدامة (١): وَمَنْ أَصْبَحَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ لم يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُمْكِنْهُ لَفْظُهُ فَازْدَرَدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ؛ لأنه لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ الرِّيقَ. قال ابْنُ المنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلم.

الحالة الثانية: أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا يُمْكِنُ لَفْظُهُ، فَإِنْ لَفَظَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ازْدَرَدَهُ عَامِدًا، فَسَدَ صَوْمُهُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلم.

قال الشافعي (٢): نُفَطِّرُهُ بِمَا بين أَسْنَانِهِ إذَا كان يَقْدِرُ على طَرْحِهِ.

قال ابن حزم: وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالمالِكِيُّونَ: مَنْ خَرَجَ - وَهُوَ صَائِمٌ - مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ مِنْ بَقِيَّةِ سَحُورِهِ كَالْجَذِيذَةِ وَشَيْءٌ مِنَ اللَّحْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَبَلَعَهُ، عَامِدًا لِبَلْعِهِ ذَاكِرًا


(١) «المغني» (٤/ ٣٦٠).
(٢) «الأم» (٢/ ١٤٣، ١٤٤).

<<  <   >  >>