للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَشُرِعَتْ زَاجِرَةً وَمَاحِيَةً، فَبِكُلِّ حَالٍ قُوَّةُ السَّبَبِ يَقْتَضِي قُوَّةَ الْمُسَبَّبِ، ثُمَّ الْفِطْرُ بِالْأَكْلِ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ مُعِينًا لِلسَّبَبِ الْمُسْتَقِلِّ، بَلْ يَكُونُ مَانِعًا مِنْ حُكْمِهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ.

ثُمَّ الْمُجَامِعُ كَثِيرًا مَا يُفْطِرُ قَبْلَ الْإِيلَاجِ، فَتَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَالله أَعْلَمُ (١).

• المبحث الخامس عشر: وإذا جامع في أول النهار ثم مرض أو جُن ماذا عليه؟

قال ابن قدامة: وَإِذَا جَامَعَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، ثُمَّ مَرِضَ أَوْ جُنَّ، أَوْ كَانَتِ امْرَأَةً فَحَاضَتْ أَوْ نُفِسَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، لَمْ تَسْقُطِ الْكَفَّارَةُ. وَبِهِ قال مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ الْمَاجِشُونٍ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ.

والراجح: أنه عليه الكفارة، والله أعلم.

• المبحث السادس عشر: إذا جامع في قضاء رمضان هل عليه الكفارة؟

ذهب جمهور أهل العلم إلى أن من جامع امرأته في صيام غير رمضان، كصيام النذر، أو التطوع، أو القضاء، أو الكفارة، أنه لا تجب عليه الكفارة.

قال ابن قدامة (٢): وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْفِطْرِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقال قَتَادَةُ: تَجِبُ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ؛ لأنه عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي أَدَائِهَا، فَوَجَبَتْ فِي قَضَائِهَا، كَالْحَجِّ، وَلَنَا أَنَّهُ جَامَعَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ جَامَعَ فِي صِيَامِ الْكَفَّارَةِ، وَيُفَارِقُ الْقَضَاءُ الْأَدَاءَ؛ لأنه مُتَعَيِّنٌ بِزَمَانٍ مُحْتَرَمٍ، فَالْجِمَاعُ فِيهِ هَتْكٌ لَهُ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ.

والراجح: أنه ليس عليه كفارة؛ لأن النص الوارد في وجوب الكفارة جاء بالوطء في نهار رمضان، والله أعلم.

* * *


(١) «الفتاوى» (٢٥/ ٢٦٢).
(٢) «المغني» (٤/ ٣٧٨).

<<  <   >  >>