للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَرْجِعُ إِلَى المسْجِدِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ (١).

قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن من جامع امرأته وهو معتكف عامدًا لذلك في فرجها أنه مفسد لاعتكافه (٢).

• المبحث الثاني: مباشرة الزوجة: وفيه مطلبان:

• المطلب الأول: إذا باشر المعتكف زوجته فإن كان لغير شهوة كاللمس باليد وغيره: فهذا جائز؛ لما في «الصحيحين»، عن عائشة أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ وَهِيَ حَائِضٌ وَهْوَ مُعْتَكِفٌ في المسْجِدِ وَهْيَ في حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ (٣).

• المطلب الثاني: إذا باشر المعتكف زوجته بشهوة حرم عليه ذلك؛ لمنافاة ذلك للاعتكاف؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ في المسَاجِدِ﴾، وعن عائشة أن النبي كَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ.

وهل يبطل مباشرة المعتكف زوجته بشهوة؟

ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يبطل اعتكافه إلا بالإنزال (٤).

وذهب المالكية إلى أنه يبطل اعتكافه مطلقًا (٥).

والراجح: ما ذهب إليه جمهور العلماء أي أنه لا يبطل اعتكاف من باشر بشهوة إلا بالإنزال كالصوم (٦).


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٥٤١). وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (١/ ٨٨) عن معمر عن قتادة.
(٢) «الإجماع» (ص ٥٤)، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن حزم «مراتب الإجماع» (ص ٤٧)، وابن هبيرة كما في «الإفصاح» (١/ ٢٥٨).
(٣) أخرجه البخاري (٢٠٤٦)، ومسلم (٦/ ٢٩٧).
(٤) «أحكام القرآن» للجصاص (١/ ٢٤٦)، و «الأم» (٢/ ١٠٦)، و «المدونة مع المقدمات» (٢/ ١٩٧)، و «الكافي» لابن قدامة (١/ ٣٧٣)، و «المجموع» (٦/ ٥٢٧) قال أبو حنيفة: إذا باشر المعتكف زوجته في غير الفرج فأنزل المني؛ فقد فسد اعتكافه، وهذا قول الإمام أحمد أيضًا.
(٥) قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ، أَنْ يَمَسَّ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، وَلَا يَتَلَذَّذَ مِنْهَا بِقُبْلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا «الموطأ» (٣٣٨)
(٦) قال الطبري (تفسيره) (٢/ ١٨٧): وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ
الْجِمَاعُ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَ الْجِمَاعِ مِمَّا أَوْجَبَ غُسْلًا إِيجَابَهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَحَدُ قَوْلَيْنِ: أَمَّا مَنْ جَعَلَ حُكْمَ الْآيَةِ عَامًّا، أَوْ جَعَلَ حُكْمَهَا فِي خَاصٍّ مِنْ مَعَانِي المبَاشَرَةِ. وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ نِسَاءَهُ كُنَّ يُرَجِّلْنَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَلما صح ذَلِكَ عَنْهُ، عُلم أَنَّ الَّذِي عُنِيَ بِهِ مِنْ مَعَانِي المبَاشَرَةِ الْبَعْضُ دُونَ الْجَمِيعِ … فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ غَسْلِ عَائِشَةَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ المرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] غَيْرُ جَمِيعِ مَا لَزِمَهُ اسْمُ المبَاشَرَةِ، وَأَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ الْبَعْضُ مِنْ مَعَانِي المبَاشَرَةِ دُونَ الْجَمِيعِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مُجْمَعًا عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ مِمَّا عُنِيَ بِهِ، كَانَ وَاجِبًا تَحْرِيمُ الْجِمَاعِ عَلَى المعْتَكِفِ وَمَا أَشْبَهَهُ.

<<  <   >  >>