للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• المبحث الثاني عشر: هل تجب الكفارة بالإفطار بالأكل والشرب متعمدًا؟ أو يجب عليه القضاء فقط؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين (١):

• القول الأول: ذهب الشافعي وأحمد وأهل الظاهر إلى أن الكفارة إنما تلزم في الإفطار من الجماع فقط، أما الإفطار بالأكل والشرب فإن عليه الإثم مع القضاء.

• القول الآخر: ذهب أبو حنيفة ومالك وجماعة إلى أن من أفطر في نهار رمضان متعمدًا بأكل أو شرب - أن عليه القضاء والكفارة (٢).

استدلوا لذلك بما رواه مسلم (٣) عن أبى هريرة حدثه أن النبي أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا.

وجه الدلالة: أن النبي أمَر رجلاً أفطر في رمضان بكفارة المجامع، وهذا عام في كل من أفطر بجماع أو أكل أو شرب أو غيره.

واعترض عليه بما قاله ابن رشد: وأما ما روى مالك أن رجلاً أفطر في رمضان، فأمره النبي بالكفارة المذكورة فليس بحجة؛ لأن قول الراوي «فأفطر» هو مجمل، والمجمل ليس له عموم فيؤخذ به.

قلت: ومخرجه متحد مع مخرج حديث المجامع، أى حديث أبى هريرة، بينما نحن جلوس عند النبي إذ جاءه رجل فقال: (هلكت)، وإذا كان مخرج الحديث متحدًا، يكون تأويله: «أن النبي أمر رجلاً «أفطر» ب «أى بجامع». والحديث الأول مجمل


(١) قال ابن رشد في «بداية المجتهد» (١/ ٤٠٢): وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ قِيَاسِ الْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْجِمَاعِ:
فَمَنْ رَأَى أَنَّ شَبَهَهُمَا فِيهِ وَاحِدٌ وَهُوَ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الصَّوْمِ، جَعَلَ حُكْمَهُمَا وَاحِدًا.
ومن رأى أنه وإن كانت الكفارة عقابًا لانتهاك الحرمة، فإنها أشد مناسبة للجماع منها لغيره، وذلك أن العقاب المقصود به الردع والعقاب الأكبر قد يوضع لما إليه النفس.
(٢) «بداية المجتهد» (١/ ٣٠٢)، و «الحاوي» (٣/ ٢٨٩).
(٣) أخرجه مسلم (٨٤) (١١١١).

<<  <   >  >>