للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: الاغتسال]

يباح للصائم إذا جامع امرأته ليلًا أن يغتسل نهارًا، وصومه صحيح.

قال الخطابي (١): أجمع عامة العلماء على أنه إذا أصبح جنبًا في رمضان، فإنه يُتم صومه ويجزئه.

وقال النووي (٢): أَجْمَعَ أَهْل هَذِهِ الْأَمْصَار عَلَى صحة صَوْم الْجُنُب، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ اِحْتِلَام أَوْ جِمَاعٍ، وَبِهِ قَالَ جَمَاهِير الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، ودليل ذلك من الكتاب والسنة: قال تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧].

وجه الدلالة من الآية: ما قاله النووي: فَإِنَّ الله تَعَالَى أَبَاحَ الْأَكْل وَالْمُبَاشَرَة إِلَى طُلُوع الْفَجْر. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا جَازَ الْجِمَاع إِلَى طُلُوع الْفَجْر لَزِمَ مِنْهُ أَنْ يُصْبِح جُنُبًا، وَيَصِحّ صَوْمُه، وإذا كان الاحتلام بالنهار لا يفسد الصيام بالإجماع، فتَرْك الاغتسال من جنابة تكون ليلًا أَوْلى أن لا يفسد بها الصوم.

وفي «الصحيحين» (٣) عن عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ﴿أَنَّ رَسُولَ الله كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ


(١) «معالم السنن» (٢/ ٧٨١).
(٢) «شرح صحيح مسلم» (٧/ ٢٢٢).
(٣) أخرجه البخاري (١٩٢٦، ١٩٢٥)، ومسلم (١١٠٩).
قلت: الأدلة على ذلك كثيرة، ولكن ورد عن أبي هريرة أنه «مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا، فَلَا يَصُمْ».
وقد حُكي عن بعض التابعين ذلك، قال ابن المنذر: وقال سالم بن عبد الله: لا يصح صومه. وهو الأشهر عن أبي هريرة والحسن البصري وطاوس وعروة، وإن علم بجنابته لم يصح. وقال النخعي: يصح النفل دون الفرض. انظر «شرح السنة» (٦/ ٢٨٠)، و «شرح صحيح مسلم» (٧/ ٢٢٢)، و «فتح الباري» (٤/ ١٤٧). =
=روى مسلم (١١٠٩) عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُصُّ يَقُولُ في قَصَصِهِ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ لأَبِيهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ﴿فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ: كَانَ النبي يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِى هُرَيْرَةَ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ. قَالَ: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرُ ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ. ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ في ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النبي . قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ في ذَلِكَ. قُلْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: أَقَالَتَا في رَمَضَانَ؟ قَالَ: كَذَلِكَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ.
قال النووي «شرح مسلم» (٧/ ٢٢٢): الْجَوَاب عَنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنِ الْفَضْل عَنْ النَّبِيّ أَنَّهُ إِرْشَاد إِلَى الْأَفْضَل، فَالْأَفْضَل أَنْ يَغْتَسِل قَبْل الْفَجْر، فَلَوْ خَالَفَ جَازَ، وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَابنَا، وَجَوَابهمْ عَنِ الْحَدِيث: فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَكُون الِاغْتِسَال قَبْل الْفَجْر أَفْضَل، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ خِلَافه؟ فَالْجَوَاب: أَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَاز، وَيَكُون فِي حَقّه حِينَئِذٍ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّن الْبَيَان لِلنَّاسِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ، وَهَذَا كَمَا تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي بَعْض الْأَوْقَات بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَمَعْلُوم أَنَّ الثَّلَاث أَفْضَل، وَهُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيث. وَطَافَ عَلَى الْبَعِير لِبَيَانِ الْجَوَاز، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّوَاف سَاعِيًا أَفْضَل، وَهُوَ الَّذِي تَكَرَّرَ مِنْهُ ، وَنَظَائِره كَثِيرَة.

<<  <   >  >>