للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَحَدًا؛ لأنه شَرْعٌ وَالشَّرْعُ لَا يُوجِبُهُ في الدِّينِ إلاَّ الله تَعَالَى على لِسَانِ رَسُولِهِ فَقَطْ.

• المبحث الثاني: هل القضاء على الفور أم على التراخي؟

قال النووي في «شرح مسلم»: وَمَذْهَب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَجَمَاهِير السَّلَف وَالْخَلَف: أَنَّ قَضَاء رَمَضَان فِي حَقّ مَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ كَحَيْضٍ وَسَفَرٍ - يَجِب عَلَى التَّرَاخِي، وَلَا يُشْتَرَط الْمُبَادَرَةُ بِهِ فِي أَوَّل الْإِمْكَان، لَكِنْ قَالُوا: لَا يَجُوز تَأْخِيره عَنْ شَعْبَان الْآتِي؛ لِأَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ حِينَئِذٍ إِلَى زَمَانٍ لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ رَمَضَانُ الْآتِي، فَصَارَ كَمَنْ أَخَّرَهُ إِلَى الْمَوْت.

قال القرطبي (١): قال تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، دل ذلك على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان؛ لأن اللفظ مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض.

وفي الصحيحين عن عائشة : يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَه إِلَّا فِي شَعْبَانَ. قال: ولنا أن الله تعالى أمر بالقضاء مطلقًا، والأمر المطلق لا يوجب على الفور بل على التراخي، ولهذا لو تطوع جاز بالاتفاق (٢).

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّطَوُّعُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ مُوَسَّعٍ، فَجَازَ التَّطَوُّعُ فِي وَقْتِهَا قَبْلَ فِعْلِهَا، كَالصَّلَاةِ يَتَطَوَّعُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا (٣).

قال الكاساني (٤): قال أَصْحَابُنَا: إنه لَا يُكْرَهُ لِمَنْ عليه قَضَاءُ رَمَضَانَ أَنْ يَتَطَوَّعَ، وَلَوْ كَانَ الوُجُوبُ على الْفَوْرِ لَكُرِهَ له التَّطَوُّعُ قبل الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَأْخِيرًا لِلْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ الْمَضِيقِ وأَنَّهُ مَكْرُوهٌ.

الخلاصة: على المسلم أن يبادر بقضاء الواجب عليه لقوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٣]. ولقول الله في الحديث القدسي: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» (٥).


(١) (الجامع لأحكام القرآن» (٢/ ٢٨٢).
(٢) «العناية على الهداية» (٢/ ٣٥٥).
(٣) «المغني» (٤/ ٤٠١).
(٤) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٠٤).
(٥) أخرجه البخاري (٦٥٠٢).

<<  <   >  >>