للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دل على ذلك ما رواه البخاري (١) عن عائشة ل أن رسول الله خرج من الليل فصلى في المسجد وصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ المسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلما كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلما قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لم يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّى خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» فتوفي رسول الله والأمر على ذلك.

قال شيخ الإسلام (٢): وَلَا يَحْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِجَمْعِ التَّرَاوِيحِ وَيَقُولُ: «نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّة، لَكِنَّهُمْ فَعَلُوا مَا لم يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ في حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ مِثْلُ هَذِهِ وَهِيَ سُنَّةٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ. وَهَكَذَا إخْرَاجُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَمِصْرِ الْأَمْصَارِ كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمْعُ الْقُرْآنِ في مُصحفٍ وَاحِدٍ وَفَرْضُ الدِّيوَانِ، فَقِيَامُ رَمَضَانَ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لِأُمَّتِهِ وَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً عِدَّةَ لَيَالٍ، وَكَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً وَفُرَادَى، لَكِنْ لم يُدَاوِمْ عَلَى جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ لِئَلَّا يَفْتَرِضَ عَلَيْهِمْ، فَلما مَاتَ اسْتَقَرَّتِ الشَّرِيعَةُ. فَلما كَانَ عُمَرُ جَمَعَهُمْ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، وَاَلَّذِي جَمَعَهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرُ هُوَ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ حَيْثُ يَقُولُ : «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» يَعْنِي الْأَضْرَاسَ؛ لأنها أَعْظَمُ في الْقُوَّةِ.

• المبحث الرابع: هل الأفضل صلاة الرجل التراويح منفردًا في بيته أم جماعة في المسجد؟

حكى النووي الخلاف في هذه المسألة فقال: المرَاد بِقِيَامِ رَمَضَان صَلَاة التَّرَاوِيح، وَاتَّفَقَ الْعُلماء عَلَى اِسْتِحْبَابهَا، وَاخْتَلَفُوا في أَنَّ الْأَفْضَل صَلَاتهَا مُنْفَرِدًا في بَيْته أَمْ في


(١) «صحيح البخاري» (٢٠١٢).
(٢) «مجموع الفتاوى»: (٢٢/ ٣٢٣).

<<  <   >  >>