للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• المطلب الثاني: من طلع عليه الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع.

ذهب جمهور العلماء إلى أنه من طلع عليه الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع، أن عليه القضاء والكفارة، وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة (١).

واستدلوا لذلك بأنه ترك صوم رمضان بجماع أثم به لحرمة الصوم، فوجبت به الكفارة كما لو وطئ بعد طلوع الفجر.

وقال أبو حنيفة: يَجِبُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ; لِأَنَّ وَطْأَهُ لَمْ يُصَادِفْ صَوْمًا صَحِيحًا، فَلَمْ يُوجِب الْكَفَّارَةَ، كَمَا لَوْ تَرَكَ النِّيَّةَ وَجَامَعَ، كَمَا أَنَّ شُرُوعَهُ في الصِّيام غير صحيح مع وجود المجامعة (٢).

والراجح والله أعلم: أنه إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع، فعليه القضاء والكفارة؛ لأنه مجامع نهارًا كما لو ابتدأ به بعد الفجر، ولأن المداومة على الجماع بعد طلوع الفجر دليل على تعمده إفساد الصيام، وانتهاك حرمة الشهر الموجبين للكفارة.

• المبحث العاشر: هل يُشترط أن تكون رقبة مؤمنة؟

ذهب جمهور العلماء إلى أنه يُشترط في كفارة المجامع أن تكون الرقبة مؤمنة لحمل المطلق على المقيد.

ولهذا شواهد في القرآن ﴿﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ فالشهادة هنا مقيدة بالعدالة، وقال تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ فالشهادة مطلقة فلا بد أن تقيد هذه الشهادة بالعدالة، من باب حمل المطلق على المقيد.

قال المارودي (٣): وَدَلِيلُنَا: قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ فَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ فِيهَا بِأَنَّ لِسَانَ الْعَرَبِ وَعُرْفَ خِطَابِهِمْ يَقْتَضِي حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، فَحُمِلَ عُرْفُ الشَّرْعِ عَلَى مُقْتَضَى لِسَانِهِمْ.

وقد قَيَّد الله تعالى كفارة القتل، كما قيد الشهادة بالعدالة كقوله: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ


(١) «المجموع» (٦/ ٣٣٨)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٢١).
(٢)» «المغني» (٤/ ٣٧٩).
(٣)» «الحاوي» (١٣/ ٣٧٦).

<<  <   >  >>