(٢) قال الحافظ «فتح الباري» (٤/ ١٢٩): وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلماء فِي المرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " الصِّيَام لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " مَعَ أَنَّ الْأَعْمَال كُلّهَا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا - عَلَى أَقْوَال:أَحَدهَا: أَنَّ الصَّوْم لَا يَقَع فِيهِ الرِّيَاء كَمَا يَقَع فِي غَيْره. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لما كَانَتْ الْأَعْمَال يَدْخُلهَا الرِّيَاء وَالصَّوْم لَا يَطَّلِع عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ فِعْله إِلَّا اللَّه، فَأَضَافَهُ اللَّه إِلَى نَفْسه، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيث: " يَدَع شَهْوَته مِنْ أَجْلِي ".ثَانِيهَا: أَنَّ المرَاد بِقَوْلِهِ " وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " أَنِّي أَنْفَرِد بِعِلم مِقْدَار ثَوَابه وَتَضْعِيف حَسَنَاته. وَأَمَّا غَيْره مِنْ الْعِبَادَات فَقَدْ اِطَّلَعَ عَلَيْهَا بَعْض النَّاس. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَال قَدْ كَشَفْت مَقَادِير ثَوَابهَا لِلنَّاسِ وَأَنَّهَا تُضَاعَف مِنْ عَشْرَة إِلَى سَبْعمِائَةِ إِلَى مَا شَاءَ اللَّه، إِلَّا الصِّيَام فَإِنَّ اللَّه يُثِيب عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَقْدِير؛ لِأَنَّ الْكَرِيم إِذَا قَالَ: (أَنَا أَتَوَلَّى الْإِعْطَاء بِنَفْسِي) كَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَة إِلَى تَعْظِيم ذَلِكَ الْعَطَاء وَتَفْخِيمه.ثَالِثهَا: مَعْنَى قَوْله " الصَّوْم لِي " أَيْ أَنَّهُ أَحَبّ الْعِبَادَات إِلَيَّ وَالمقَدَّم عِنْدِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل اِبْنِ عَبْد الْبَرّ: كَفَى بِقَوْلِهِ " الصَّوْم لِي " فَضْلًا لِلصِّيَامِ عَلَى سَائِر الْعِبَادَات.رَابِعِهَا: الْإِضَافَة إِضَافَة تَشْرِيف وَتَعْظِيم، كَمَا يُقَال: (بَيْت اللَّه) وَإِنْ كَانَتْ الْبُيُوت كُلّهَا لِلَّهِ. قَالَ الزَّيْن بْن المنِير: التَّخْصِيص فِي مَوْضِع التَّعْمِيم فِي مِثْل هَذَا السِّيَاق لَا يُفْهَم مِنْهُ إِلَّا التَّعْظِيم وَالتَّشْرِيف.خَامِسهَا: أَنَّ الِاسْتِغْنَاء عَنْ الطَّعَام وَغَيْره مِنْ الشَّهَوَات مِنْ صِفَات الرَّبّ ﷻ، فَلما تَقَرَّبَ الصَّائِم إِلَيْهِ بِمَا يُوَافِق صِفَاته أَضَافَهُ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute