للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا لذلك بالقياس على الحج، فكما أن الحج أعماله متعددة، كالوقوف بعرفة والطواف والسعي، ويحتاج إلى نية واحدة (لبيك حج)، فكذا تجزئ نية واحدة لجميع الشهر.

واعترض عليه: بأن هذا القياس لا يصح؛ لأن الحج يتكون من أركان متعددة، لو ترك رُكنًا منها؛ لانهدم الحج كله، فإذا لم يقف بعرفة فسد عليه الحج.

أما صيام رمضان فكل يوم عبادة مستقلة، يدخل وقتها بطلوع الفجر ويخرج بغروب الشمس، ويتخللها ما ينافيها وهو جواز الأكل من المغرب إلى الفجر وهو كالصلوات، فإذا كان لا بد لكل صلاة من نية فكذا لا بد لكل يوم من نية.

• المبحث الخامس: ما هى كيفية النية؟

قال شيخ الإسلام: كُلُّ مَنْ عَلم أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ يُرِيدُ صَوْمَهُ، فَقَدْ نَوَى صَوْمَهُ، سَوَاءٌ تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ، أَوْ لم يَتَلَفَّظْ. وَهَذَا فِعْلُ عَامَّةِ المسْلمينَ، كُلُّهُمْ يَنْوِي الصِّيَامَ (١).

قال ابن قدامة: وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ في كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ مِنْ قَضَائِهِ، أَوْ مِنْ كَفَّارَتِهِ، أَوْ نَذْرِهِ (٢).

• المبحث السادس: هل يجوز إنشاء صوم التطوع بنية من النهار أو لابد من تبييت النية قبل الفجر؟

• اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

• القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى جواز أن ينشيء النية لصوم التطوع من النهار، وصح ذلك عن أبي طلحة، ومعاذ بن جبل (٣)، وأبي الدرداء، وأبي أيوب (٤)،


(١) «الفتاوى» (٢٥/ ٢١٥).
(٢) «المغني» (٤/ ٣٣٨).
(٣) روى عبد الرزاق (٧٧٧٧)، وابن أبي شيبة (٣/ ٣١) بإسناد صحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَأْتِي أَهْلَهُ مِنْ الضُّحَى فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ غَدَاءٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا. صَامَ ذَلِكَ اليوم. قال قتادة: فكان معاذ بن جبل يفعل ذلك.
(٤) روى الطحاوي «شرح معاني الآثار» (٢/ ٥٧) وغيره بإسناد صحيح عن أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّ أَبَا= =الدَّرْدَاءِ كَانَ يَجِيءُ فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا. قَالَ: إنِّي إذا صَائِمٌ.
عن عبد الله بن عتبة أن أبا أيوب كان يفعل ذلك أيضًا كفعل أبي الدرداء.

<<  <   >  >>