قال ابن القيم (١): وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي هَذَا الطّعَامِ وَالشّرَابِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنّهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ حِسّيّ لِلْفَمِ. قَالُوا: وَهَذِهِ حَقِيقَةُ اللّفْظِ، وَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ عَنْهَا.
الثّانِي: أَنّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُغَذّيهِ الله بِهِ مِنْ مَعَارِفِهِ وَمَا يَفِيضُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ لَذّةِ مُنَاجَاتِهِ وَقُرّةِ عَيْنِهِ بِقُرْبِهِ وَتَنَعّمِهِ بِحُبّهِ وَالشّوْقِ إلَيْهِ، وَتَوَابِعِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ الّتِي هِيَ غِذَاءُ الْقُلُوبِ وَنَعِيمُ الْأَرْوَاحِ وَقُرّةُ الْعَيْنِ وَبَهْجَةُ النّفُوسِ وَالرّوحِ وَالْقَلْبِ - بِمَا هُوَ أَعْظَمُ غِذَاءً وَأَجْوَدُهُ وَأَنْفَعُهُ، وَقَدْ يَقْوَى هَذَا الْغِذَاءُ حَتّى يُغْنِيَ عَنْ غِذَاءِ الْأَجْسَامِ مُدّةً مِنَ الزّمَانِ، كَمَا قِيلَ:
لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا … عَنِ الشّرابِ وَتُلْهِيهَا عَنِ الزّادِ
لَهَا بِوَجْهِكَ نُورٌ تَسْتَضِيءُ بِهِ … وَمِنْ حَدِيثِك فِي أَعْقَابِهَا حَادِي
إذَا شَكَتْ مِنْ كَلالِ السّيْرِ أَوْعَدَهَا … رَوْحَ الْقُدُومِ فَتَحْيَا عِنْدَ مِيعَادِ
وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَجْرِبَةٍ وَشَوْقٍ يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْجِسْمِ بِغِذَاءِ الْقَلْبِ وَالرّوحِ - عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْغِذَاءِ الْحَيَوَانِيّ، وَلَا سِيّمَا الْمَسْرُورُ الْفَرْحَانُ الظّافِرُ بِمَطْلُوبِهِ، الّذِي قَدْ قَرّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ وَتَنَعّمَ بِقُرْبِهِ وَالرّضَى عَنْهُ وَأَلْطَافِ مَحْبُوبِهِ وَهَدَايَاهُ وَتُحَفِهِ - تَصِلُ إلَيْهِ كُلّ وَقْتٍ وَمَحْبُوبُهُ حَفِيّ بِهِ مُعْتَنٍ بِأَمْرِهِ مُكْرِمٌ لَهُ غَايَةَ الْإِكْرَامِ مَعَ الْمَحَبّةِ التّامّةِ لَهُ، أَفَلَيْسَ فِي هَذَا أَعْظَمُ غِذَاءً لِهَذَا الْمُحِبّ؟
فَكَيْفَ بِالْحَبِيبِ الّذِي لَا شَيْءَ أَجَلّ مِنْهُ وَلَا أَعْظَمُ وَلَا أَجْمَلُ وَلَا أَكْمَلُ وَلَا أَعْظَمُ إحْسَانًا، إذَا امْتَلَأَ قَلْبُ الْمُحِبّ بِحُبّهِ، وَمَلَكَ حُبّهُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ؟!
• المبحث الخامس: بعض الأحاديث الضعيفة المشهورة في الصيام:
١ - عن أبي مسعود عن النبي ﷺ: «لَوْ يَعْلَمُ الْعِبَادُ مَا رَمَضَانُ لَتَمَنَّتْ أُمَّتِي أَنْ يَكُونَ السَّنَةَ كُلَّهَا … إِنَّ الْجَنَّةَ لَتَزَيَّنُ لِرَمَضَانَ مِنْ رَأْسِ الْحَوْلِ إِلَى الْحَوْلِ، فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ يوم مِنْ رَمَضَانَ هَبَّتْ رِيحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ … فَتَنْظُرُ الْحُورُ الْعِينُ إِلَى ذَلِكَ، فَيَقُلْنَ: يَا رَبِّ
(١) «زاد المعاد» (٢/ ٣٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute