للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُخَالَفَةٌ لِوَضْعِهِ كَيَوْمِ الْفِطْر.

قال ابن عبد البر: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ لِلنَّبِيِّ خُصُوصٌ، وَأَنَّ الْوَاصِلَ لَا يَنْتَفِعُ بِوِصَالِهِ، لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلصِّيَامِ.

وأجاب الجمهور عن ذلك بأن مواصلته بعد نهيه لهم، فلم يكن تقريرًا بل تقريعًا وتنكيلًا. واحتمل ذلك منهم لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم؛ لأنهم إذا باشروا ظهرت لهم حكمة النهي، وكان ذلك أدعى إلى قبولهم لما يترتب عليه من الملل في العبادة، والتقصير فيما هو أهم منه وأرجح من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك.

«رحمة لهم» استدل به من قال: إن الوصال مكروه غير محرم.

أجابوا بأن قوله: «رحمة لهم» لا يمنع التحريم، فإنه من رحمته لهم أن حرمه عليهم (١).

• المطلب الرابع: معنى «إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»:

قال الماوردي (٢): «إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ حَقِيقَةً.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَمُدُّهُ مِنَ الْقُوَّةِ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْوِصَالُ مَكْرُوهٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْوِصَالَ يُورِثُ ضَعْفًا، وَيُقَاسِي فِيهِ مَشَقَّةً وَجُهْدًا، فَرُبَّمَا أَعْجَزَهُ عَنْ أَدَاءِ مُفْتَرَضَاتِهِ، فَإِنْ وَاصَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَصَوْمُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إِلَى غَيْرِ زَمَانِ الصَّوْمِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي صِيَامِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ وَاصَلَ الصِّيَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ يومًا، ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى سَمْنٍ وَلَبَنٍ وَصَبِرٍ، وَتَأَوَّلَ فِي السَّمْنِ أَنَّهُ يُلَيِّنُ الْأَمْعَاءَ، وَفِي اللَّبَنِ أَنَّهُ أَلْطَفُ غِذَاءٍ، وَفِي الصَّبِرِ أَنَّهُ يُقَوِّي الْأَعْضَاءَ.


(١) «نيل الأوطار» (٤/ ٢٥٨).
(٢) الحاوي «الكبير» (٣/ ٣٤٠).

<<  <   >  >>