للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• المطلب الثاني: ضابط المسجد الذي يُشرع فيه الاعتكاف:

اتفق العلماء على اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف، واختلفوا في ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف على أقوال:

القول الأول: أن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة، وبه قال جمهور العلماء (١).

قال شيخ الإسلام (٢): وهو قول عامة التابعين، ولم ينقل عن صحابي خلافه، إلا من قول من خص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة أو مسجد النبي (٣).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ في المسَاجِدِ﴾.

ولفظ «المسَاجِدِ» وإن كان في الآية عامًّا؛ لكنه خص بالمسجد الذي تقام فيه الجماعة، وذلك لوجوب صلاة الجماعة، ولأن اعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه


(١) قال الكاساني في «بدائع الصنائع» (٢/ ١١٣): وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا. وانظر: «فتح القدير» (٢/ ٣٩٣)، و «البحر الرائق» (٢/ ٣٠١)، و «حاشية ابن عابدين» (١/ ٤٤٠).
قال ابن قدامة في «المغني» (٤/ ٤٦١): فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (يعنى الإمام أحمد) إلَى أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ. وانظر: «الإنصاف» (٧/ ٥٧٥).
(٢) «شرح العمدة» (٢/ ٧٣٤).
(٣) قال ابن عباس: لَا اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ تُجْمَعُ فِيهِ الصلوات. إسناده صحيح أخرجه عبد الله في «مسائله» (ص ١٩٦)، وورد أثر عن عليّ أنه قال: لَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ. أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ٩١) وعبد الرزاق (٤/ ٣٤٦) ولكنه لا يصح. وورد أثر عن شداد قال: اعْتَكَفَ رَجُلٌ فِي المسْجِدِ الْأَعْظَمِ، وَضَرَبَ خَيْمَةً فَحَصَبَهُ النَّاسُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَجُلًا، فَكَفَّ النَّاسَ عَنْهُ وَحَسَّنَ ذَلِكَ. قلت: ولكن إسناده ضعيف.
وعن عروة بن الزبير قال: لَا اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ. إسناده صحيح.
وعن الزهري قال: لَا اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ. إسناده صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ٩١). وعن الحكم وحماد قال: لَا اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ تُجْمَعُ فِيه. صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ٩٢).

<<  <   >  >>