للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• الثالثة: إذا كان صيام العشر من ذى الحجة مستحبًّا، فلماذا لم يفعله النبي ؟

ذكر العلماء لذلك سببين:

الأول: أنه ربما إذا صام ضعف أن يعمل ما هو أعظم منزلة من الصوم، كالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن (١).

الثانى: أن النبي يترك العمل وهو يحبه؛ خشية أن يفرض على أمته (٢).

• المبحث السادس: صوم يوم عرفة، وفيه مسائل:

• الأولى: صوم يوم عرفة لغير الحاج:

يستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج، دل على ذلك السنة والمأثور:

أما الدليل من السنة: فهو ما رواه مسلم (٣) عن أبى قتادة قال: قال رسول الله :


(١) قال الطحاوي «شرح مشكل الآثار» (٧/ ٤١٨): إنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لم يَكُنْ يَصُومُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَتْ عَائِشَةُ؛ لأنه كَانَ إِذَا صَامَ ضَعُفَ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا هُوَ أَعْظَمُ مَنْزِلَةً مِنَ الصَّوْمِ وَأَفْضَلُ مِنْهُ، مِنَ الصَّلَاةِ، وَمِنْ ذِكْرِ اللهِ ﷿، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يَخْتَارُهُ لِنَفْسِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ لَا يَكَادُ يَصُومُ، فَإِذَا صَامَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَقُولُ: «إِنِّي إِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصَّوْمِ» فَيَكُونُ مَا قَدْ ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ عَنْهُ مِنْ تَرْكِهِ الصَّوْمَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لِيَتَشَاغَلَ فِيهَا بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ فِيهَا لَهُ مِنَ الْفَضْلِ مَا لَهُ مِمَّا قَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ أَحَدًا مِنَ الميْلِ إِلَى الصَّوْمِ فِيهَا لَا سِيَّمَا مَنْ قَدَرَ عَلَى جَمْعِ الصَّوْمِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ ﷿ سِوَاهُ.
(٢) قال الحافظ ابن حجر «فتح الباري» (٢/ ٥٣٤): وَاسْتُدِلَّ بحديث ابن عباس عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ، وَاسْتَشْكَلَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ» لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ.
(٣) أخرجه مسلم (١١٦٢).

<<  <   >  >>